التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حوادث



    شيخه فتاة كأنها الوردة في نضارتها لم تكمل عقدها الثالث بعد، رزقها الله بطفلين لم يتجاوزا السابعة من العمر، من يراها اليوم لا يخطىء أبدا أن عمرها جاوز الستين وهي التي كان الجميع يثني على ملاحة وجهها وأناقتها.

لم تستطع شيخه أن تحبس عبرة سالت من خدها عندما سألها أطفالها عن أبيهم وأين هو ومتى سيعود محملا بالهدايا كما وعدتهم فقد طالت غيبته هذه المرة، لم تمتلك إلا الصمت لتلوذ به فهي لا تجد جوابا شافيا لها ولأطفالها عندما تتذكر الحادث الأليم الذي وقع لزوجها عندما كان عائدا من عمله وكله شوق وحنين لرؤية طفليه ويخبرها بأنه اشترى هديتين متشابهتين لطفليه كي لا يغار كلا منهما، تتذكر شيخه آخر مكالمة تلقتها من زوجها قبل أن تتلقى بعدها بنصف ساعة فقط مكالمة أخرى من مركز الشرطة تفيد بان زوجها انتقل إلى جوار ربه بعدما خرجت عليه سيارة كانت تسير في عكس اتجاهه ولم يكن صاحبها يستطيع الرؤية فاصطدم بسيارة زوجها وأكملت المهمة سيارة أخرى من الحجم الكبير كانت تسير خلف سيارة زوجها فبقيت أشلاء جثة زوجها معلقة بين سيارتين.

أوردت إحصائية الحوادث المرورية الصادرة عن شرطة عمان السلطانية خلال فترة أسبوع من 7/2 وحتى 13/2 إن عدد حوادث السير التي وقعت خلال أسبوع واحد فقط في مختلف أرجاء السلطنة بلغ مائة وأربعة وثلاثين حادث سير خلفت ورائها خمسة وعشرين حالة وفاة ومائتين وتسعة وسبعين حالة إصابة، كل هذا في أسبوع واحد فقط وخلال شهر يناير بلغت نسبة الوفيات في حوادث السير اثنان وتسعون حالة وفاة.

لم تصدق عيني ولمن يستوعب عقلي هذه الأرقام خمسة وعشرون حالة وفاة خلال أسبوع واحد فقط ونحن نعيش في بلد حباها الله الكثير من الخيرات وتعد طرقاتها من أجمل وأفضل الطرقات في العالم ويعد الأمن والنظام والتمسك بقواعد الأمان لدينا من أفضل الدول وهذا بشهادة مني شخصيا وبمقارنة بين أنظمتنا المرورية وأنظمة الكثير من الدول الأخرى حتى المتقدمة منها، ولكن يبقى هنالك الكثير من العوامل التي تلقى على الكثير من السائقين ومستخدمي الطريق وهي الاستهتار وكأن السيارة التي يقودها والشارع الذي يمشي فيه ما هما إلا لعبة في يد السائق يحركها كيفما يشاء.

يبدو أن الأمر بحاجة إلى مراجعة أخرى ووقفة من جديد لقانون المرور وقواعده وأن تبحث شرطة عمان السلطانية مع الجهات الأخرى في تشديد الإجراءات على رخص القيادة والحصول عليها وتكثيف الدوريات وكاميرات المراقبة في كل شوارع السلطنة والبدء في حملات إعلامية للتوعية لمن لا يلق بالا لحوادث المرور المميتة.

لم تملك شيخه جوابا لسؤال طفليها هل تلوم زوجها أم تلوم الآخرين أم تلوم المجتمع أم إنها تلوم قوانين المرور المتساهلة في العقوبة مع المستهترين، قررت عدم لوم أي أحد ورفعت كفيها إلى السماء والدمعة تسيل على خدها وهي ضارعة إلى ربها أن يتغمد روح زوجها برحمته وأن يدخله فسيح جناته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ashouily@hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع