التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس, ٢٠١٧

دين الحب - قراءة في رواية موت صغير

كنت قد سمعت به لكنني لم أقرأ « قندسه» التي حصل فيها على جائزة معهد العالم العربي بباريس بترجمتها الفرنسية؛ ولا قرأت سقف الكفاية ولا صوفيا ولا حتى طوَّق الطهارة؛ غير أن اسمه كان يتردد صاخبا في أروقة البوكر بأنه الروائي المنتظر للفوز بها هذا العام فقبلها كانت « القندس» قاب قوسين من الفوز بها حيث وصلت الى القائمة القصيرة في عام 2013. في معرض الكتاب الأخير اقنعني « الساقي» بأن « موت صغير» هي أفضل ما كتب من روايات لهذا العام وربما هي أفضل ما كتب عن التصوف الاسلامي فهي تتبع خطى الشيخ الأكبر وسلطان العارفين محيي الدين بن عربي منذ ولادته في الأندلس في منتصف القرن السادس الهجري وحتى وفاته في دمشق، قلبت بين يدي بضعا من صفحاتها التي تقارب الستمائة صفحة وبنظرة خاطفة شدتني اللغة والأسلوب اللتان كتبا بهما الرواية. بعد اعلان محمد حسن علوان فائزا بالبوكر عن روايته «موت صغير» أخرجت الكتاب من خزانته وعزمت على قراءته لمعرفة تفاصيل حياة أكثر المتصوفين شغلا لحياة الناس ليس لأفكاره التي خالف فيها من عاصروه وانما ايضا لترحاله في كثير من بلاد الله في سبيل بحثه عن العلم والمعرفة وايضا كما يسرد علوان في ال

باعة متجولون

صيف حار وشمس صاهدة بلا شك ولكنها لقمة العيش، كما يقول من وقف على قدميه طيلة نهاره أمام ناصية شارع يبيع خضارا أو فاكهة، يشوي لحما أو يبيع سمكا، يقلي ذرة صفراء أو يتاجر في خرداوات جمعها من هنا وهناك، هذا هو حاله وديدنه منذ أن تطلع شمسه وحتى قبل أو بعد أن تغرب، يأتي شخص ويذهب غيره والحال كما هو، مكان تعارف عليه العامة من الناس بأنه مكان بيع اقتطع من أرض هي ربما ملك لشخص أو جهة ولكنها توفر ملجأ ولقمة عيش كريمة لصاحبها وتوفر في ذات الوقت ثمنا أزهد لمشترٍ عجز عن ابتياع متاعه من باعة لا يرحمون. هذا هو مشهد الباعة المتجولين والمشترين المتجولين، كلهم مخالفون للقانون والنظام، فلا الباعة ملتزمون بقواعد البيع والشراء والصحة والنظافة، ولا المشترين أيضا ملتزمون بقواعد الصحة والسلامة التي تكون على المحك عند شرائهم لمنتجات لم تخضع لفحوص أو إشراف من قبل جهات الإشراف، ولكن لن يتوقف الباعة وأيضا لن يتوقف المشترون فكل منهم له مصلحة كبرى في الكسب من الآخر وفي ذات الوقت لن تتوقف الجهات المناط بها الإشراف على هؤلاء عن مخالفتهم لارتكابهم جرم العمل بدون تصريح ومنافستهم للباعة الحقيقيين ممن يذهب نصف دخلهم عل

حوكمة الحكومة

النتائج المالية لبعض الشركات التي قامت الحكومة بإنشائها أو الاستثمار فيها تشير الى تحقيق خسائر وهذه الخسائر لا زالت تتوالى عاما بعد عام ولا يبدو أن بوارق أمل سوف تلوح لتعديل مسار هذه الشركات ونقلها من خانة المؤشر الأحمر السالب إلى خانة المؤشر الأزرق الصاعد إلا كما يقول المختصون بالاقتصاد والعارفون به أن تطبيق بعض الإجراءات والتي من شأنها أن تضمن عدم إهدار المال العام يمكن أن تعافي بعضا من بدن هذه الشركات التي أنهكتها أمراض البيروقراطية والمحسوبية وضعف الإدارة وقلة الإنتاجية وعدم المساءلة الإدارية والمالية وبتعبير آخر تطبيق مبادئ الحوكمة على هذه الشركات لضمان وجود شفافية ووضوح في طريقة عمل وإدارة تلك الشركات. تعرف الحوكمة بأنها «مجموعة النظم التي يتم من خلالها إدارة الشركات والتحكم في أعمالها بهدف تحقيق الجودة والتميز في الأداء عن طريق اختيار الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق خطط وأهداف الشركة»، ولو تعمقنا قليلا في تفسيرات ومعاني الحوكمة لوجدنا أنها تذهب بعيدا الى أدق التفاصيل في المؤسسات والشركات كالعلاقة بين مجلس الإدارة وحملة الأسهم والمواصفات التي يجب أن يتمتع بها الرئيس التنفيذي

تغيير السلوك

الأسبوع الفائت التقيت زميل مهنة تقاعد منها بعد أن أمضى فيها أكثر من عشرين عامًا؛ كان طوال فترة عمله لا يمر عليه يوم أو يومان إلا واسمه متصدر صفحات صحيفته التي كان شاهدًا على ميلادها وتطورها؛ سألته: متى سنرى كتابك الذي وعدت به في آخر يوم رأيناك فيه وكنت متحمسًا كثيرًا لإصداره وإصدار عشرة غيره؟ لم يجد جوابا، لكنه أسر لي بأن الحياة أخذته إلى بحر آخر غير بحر الكتابة، وأن هواء الكسل حمله بعيدا عن هواء الكتابة. كلنا مثل هذا الزميل فهو ليس وحده ممن أخذته بحور الكسل، والتبلد، فما نقوم به من نشر وقراءة وكتابة، وتدوين إنما نرجع مرده إلى الوظيفة التي نقوم بها التي فرضت علينا القيام بذلك فبدونها ربما لن ننشر، وبدونها لن نقرأ، وبدونها لن نكتب، وبدونها لن يصبح هنالك قراء لنا ولغيرنا؛ وقد يكون ما هو لزام، وجبر علينا فعله هو ما يدفعنا دفعا إلى هذا الإنجاز اليومي، وليست الهمة العالية أو السعي نحو تحقيق النجاح، والشهرة، والمجد هي ما يدفعنا إلى ذلك. البشر عمومًا لا يحبون الالتزام بشيء ما لم يجبروا عليه؛ فالنفس البشرية مركبة ومجبولة على عدم الالتزام بنمط حياة معين تداوم عليه لفترات طويلة ما لم يجبرها

حوار بين حداثي وتقليدي

لم تعد الحياة كما كانت عليها من قبل فكل ما فيها تحول وتبدل وترقم وتحدث، صار حداثيو الحياة المتطورة يطلقون على كل ما هو قديم مصطلح «تقليدي» ويوازيه في ذلك مصطلح آخر ابتكروه هم ذواتهم فأسموه « بالحديث» للدلالة على أن كل ما لا يتفق مع أهوائهم هو تقليدي وما يتواءم معها هو حديث أو حداثي أيا كانت حداثة ذلك الشيء سواء أعاد بالنفع على البشرية أم ساهم في تكريس تخلفها وتراجعها أم ساهم في الإجهاز والقضاء على بعض من مبادئها وقيمها وأخلاقها. أكتب هذا الكلام بعد جدل طويل دارت رحاه بيني وبين آخر وسمني بالتقليدي والحمد لله أنه لم يسمني بـ «الرجعي» ووسم نفسه بالحداثي المتطور المنفتح على العالم وشؤونه وشجونه، دارت بيننا بعض الحوارات الساخنة على أرض الواقع أي وجها لوجه وهذا ما اعتبرته بداية تقدم عليه حيث إن المناظرة بيننا لم تجر بطرق حديثة وباستخدام وسائط وتقنيات حديثة فكان هذا أول نصر مؤزر لي. هو رآني وأمثالي من التقليديين بأننا لا نزال من ألد أعداء الطبيعة والمحاربين لها بإصرارنا على استخدام الورق ومنتجاته في القراءة والكتابة، في حين أن الحداثة التقنية التي يتبع هو مذهبها ساهمت في حفظ التنوع البيئ

معادلة التوظيف والهجرة

لم استطع فهم هذه المعادلة، وإن كان منكم من يستطيع إفهامي إياها أو إقناعي بها فكل آذاني له صاغية، تقول هذه المعادلة إن أرقام الباحثين عن عمل من الشباب كل يوم في ازدياد حتى وصل عددهم إلى ما يزيد كثيرا عن الاثنين والأربعين ألف باحث حسب إحصائية نشرت العام الفائت، في حين أن طرف المعادلة الأخرى والتي هي معادلة الهجرة الوافدة إلى هذا البلد هي أيضًا في ازدياد وارتفاع حتى بلغ مجموع أعداد الوافدين القادمين إلى العمل في السلطنة إلى مليونين وثلاثمائة وثمانين ألف نسمة وهذه النسبة والرقم هما في ارتفاع شبه يومي مع ازدياد تدفق هذه القوى العاملة إلى البلاد. المعادلة الصحيحة وكما أفهمها بفهمي البسيط -فأنا لست من الاقتصاديين ولا من أصحاب الأعمال- تقول إنه إذا قلّت فرص الحصول على الأعمال في أي بلد فإن المتضرر من ذلك يكون أبناء البلد وغيرهم ولن يفكر وافد في الهجرة إلى بلد أهلها باحثون عن عمل، ولكن في حالتنا هذه فإن المعادلة مقلوبة مواطن يبحث عن عمل ووافد يحصل عليه بسهولة! كيف ذلك؟ سألت بعض العارفين والعامة ممن يعرفون وممن لا يعرفون معنى الاقتصاد والاستثمار عن إجابة لمعادلتي فلم يسعفني شخص بجواب شاف وكأن

دين الحب - قراءة في رواية موت صغير

  كنت قد سمعت به لكنني لم أقرأ « قندسه» التي حصل فيها على جائزة معهد العالم العربي بباريس بترجمتها الفرنسية؛ ولا قرأت سقف الكفاية ولا صوفيا ولا حتى طوَّق الطهارة؛ غير أن اسمه كان يتردد صاخبا في أروقة البوكر بأنه الروائي المنتظر للفوز بها هذا العام فقبلها كانت « القندس» قاب قوسين من الفوز بها حيث وصلت الى القائمة القصيرة في عام 2013. في معرض الكتاب الأخير اقنعني « الساقي» بأن « موت صغير» هي أفضل ما كتب من روايات لهذا العام وربما هي أفضل ما كتب عن التصوف الاسلامي فهي تتبع خطى الشيخ الأكبر وسلطان العارفين محيي الدين بن عربي منذ ولادته في الأندلس في منتصف القرن السادس الهجري وحتى وفاته في دمشق، قلبت بين يدي بضعا من صفحاتها التي تقارب الستمائة صفحة وبنظرة خاطفة شدتني اللغة والأسلوب اللتان كتبا بهما الرواية. بعد اعلان محمد حسن علوان فائزا بالبوكر عن روايته «موت صغير» أخرجت الكتاب من خزانته وعزمت على قراءته لمعرفة تفاصيل حياة أكثر المتصوفين شغلا لحياة الناس ليس لأفكاره التي خالف فيها من عاصروه وانما ايضا لترحاله في كثير من بلاد الله في سبيل بحثه عن العلم والمعرفة وايضا كما يسرد علوان في

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع

الصحافة: ليست التي اعراف

  و كأنني فوق قمة جبل أنظر خلفي لأرى سنوات الشباب التي لن أتشاءم وأقول بأنها ضاعت في دراسة تخصص لم تعد قواعده ولا أسسه وأركانه تطبق، فكلها كما قالت مارجريت ميتشيل في روايتها بأنها «ذهبت مع الريح»، ولا عزاء في هذا سوى للمشتغلين الممتهنين لهذه الصنعة التي تركوها بإرادة منهم لمن لا صنعة له ممن صار يتسلق ويتملق، ينافق ويحابي، يكذب ، فاختلط على البعض حابل هذه المهنة بنابلها، غثها بسمينها إلا على الحصيف الذي آتاه الله عقلًا راجحًا وعينًا بصيرة تمكنه من معرفة الأصل والفرع. صحافة اليوم هي ليست الصحافة التي أعرفها ونشأت وتربيت عليها ودرست مناهجها ونظرياتها وأسسها وأخلاقياتها منذ أول سنة لي في الجامعة، هي ليست التي قيل لي عنها بأنها السلطة الرابعة أو صاحبة الجلالة، وليست هي مهنة المتاعب التي لا يرتاح أو يهدأ ممتهنها حتى يصل إلى الحقيقة ليبدأ في البحث عن حقيقة أخرى، هي ليست التي أقالت رئيسا من منصبه وكشفت فساد أنظمة، وعزلت مسؤولين عن مناصبهم. هذه الصحافة التي حسبتني أعرفها تحولت اليوم إلى مسخ حقيقي بشع المنظر كريه الرائحة لا يمت إلى الإنسانية بصلة وصار طفيليوها يوجهون دفتها إلى الهاوية التي ل