التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حوكمة الحكومة

النتائج المالية لبعض الشركات التي قامت الحكومة بإنشائها أو الاستثمار فيها تشير الى تحقيق خسائر وهذه الخسائر لا زالت تتوالى عاما بعد عام ولا يبدو أن بوارق أمل سوف تلوح لتعديل مسار هذه الشركات ونقلها من خانة المؤشر الأحمر السالب إلى خانة المؤشر الأزرق الصاعد إلا كما يقول المختصون بالاقتصاد والعارفون به أن تطبيق بعض الإجراءات والتي من شأنها أن تضمن عدم إهدار المال العام يمكن أن تعافي بعضا من بدن هذه الشركات التي أنهكتها أمراض البيروقراطية والمحسوبية وضعف الإدارة وقلة الإنتاجية وعدم المساءلة الإدارية والمالية وبتعبير آخر تطبيق مبادئ الحوكمة على هذه الشركات لضمان وجود شفافية ووضوح في طريقة عمل وإدارة تلك الشركات.
تعرف الحوكمة بأنها «مجموعة النظم التي يتم من خلالها إدارة الشركات والتحكم في أعمالها بهدف تحقيق الجودة والتميز في الأداء عن طريق اختيار الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق خطط وأهداف الشركة»، ولو تعمقنا قليلا في تفسيرات ومعاني الحوكمة لوجدنا أنها تذهب بعيدا الى أدق التفاصيل في المؤسسات والشركات كالعلاقة بين مجلس الإدارة وحملة الأسهم والمواصفات التي يجب أن يتمتع بها الرئيس التنفيذي والموظفون في الشركة وطرق المحاسبة والرقابة وغيرها من التفاصيل التي تهدف الى تحقيق الشفافية والعدالة ومكافحة الفساد وتعطي الحق للمساهمين في مساءلة الشركة وإدارتها.
وبالنظر الى الوضع الراهن للكثير من الشركات الآنفة الذكر لوجدنا أن البعض منها لا يطبق ولا حتى الجزء اليسير من هذه المنظومة المتكاملة ربما بحجة أن هذه الشركات هي شركات الجزء الاكبر منها مملوك للحكومة أو أنها مملوكة بالكامل للحكومة ومهمتها تتمحور في تقديم خدمات مساعدة أو مساندة للمجتمع وليس الهدف من إنشائها هو الربح الخالص الذي تتمتع به الشركات الخاصة التي تنشأ بغرض تحقيق أرباح لملاكها، لذلك فإن بعضا من هذه الشركات لا تولي للجوانب التشريعية والرقابية والإشرافية أهمية كبرى ولا يهتم من أوكل اليهم مهمة إدارتها تحقيق نجاحات أو أرباح تعود الى الدولة بعوائد مالية مجزية.
اليوم لم يعد الحديث عن حوكمة الشركات الخاصة أو التي تمتلك الحكومة جزءا منها، بل صار الحديث عن حوكمة الحكومة ذاتها بمؤسساتها ووزاراتها المختلفة بسبب تدني مستوى أداء تلك الوزارات وضعف إنتاجيتها والتداخل الحاصل بينها، ولهذه الأسباب لجأت الكثير من الدول الى حوكمة حكوماتها للمحافظة على المال العام ولتحسين وتجويد الخدمات المقدمة للجمهور وتسريع وتيرة الإجراءات الحكومية وضمان استمراريتها وتحقيق الجودة في هذه الخدمات وقياس أداء الخدمات المقدمة ومدى فاعليتها وإيجاد معايير وقوانين للمراقبة والشفافية وغيرها من الأمور التي تتطلبها الحكومة الحديثة.
هذه الإجراءات التي تقوم كثير من الحكومات بتطبيقها على نفسها أولا وعلى شركاتها ثانيا وتوصي شركات القطاعين الأهلي والخاص ثالثا بانتهاجها لم تأت إلا بعد تجارب مريرة من الخسائر المالية والإدارية ولم يتم إقرارها الا بعد أن ترهلت تلك الكيانات وأصبحت عليلة سقيمة فما كان من بد إلا أن يوضع مشرط الجراح عليها لمعالجة ما استفحل من داء ووقاية الباقي وحفظه من العلل والأسقام، وربما آن الأوان لدينا أن يقوم مركز عمان للحوكمة والاستدامة الذي أنشئ قبل عامين بمرسوم سلطاني بدوره في التعريف أولا بهذا النوع من الإدارة والإجراءات وثانيا أن يقوم بدوره الفعال في حماية المال العام وحتى الخاص من عبث العابثين ويساهم في الارتقاء بمستوى إدارة المؤسسات الحكومية في ظل عالم رقمي بات لا يعترف بأية عوالم أخرى.


http://omandaily.om/?p=459940

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع