التخطي إلى المحتوى الرئيسي

معادلة التوظيف والهجرة

لم استطع فهم هذه المعادلة، وإن كان منكم من يستطيع إفهامي إياها أو إقناعي بها فكل آذاني له صاغية، تقول هذه المعادلة إن أرقام الباحثين عن عمل من الشباب كل يوم في ازدياد حتى وصل عددهم إلى ما يزيد كثيرا عن الاثنين والأربعين ألف باحث حسب إحصائية نشرت العام الفائت، في حين أن طرف المعادلة الأخرى والتي هي معادلة الهجرة الوافدة إلى هذا البلد هي أيضًا في ازدياد وارتفاع حتى بلغ مجموع أعداد الوافدين القادمين إلى العمل في السلطنة إلى مليونين وثلاثمائة وثمانين ألف نسمة وهذه النسبة والرقم هما في ارتفاع شبه يومي مع ازدياد تدفق هذه القوى العاملة إلى البلاد.
المعادلة الصحيحة وكما أفهمها بفهمي البسيط -فأنا لست من الاقتصاديين ولا من أصحاب الأعمال- تقول إنه إذا قلّت فرص الحصول على الأعمال في أي بلد فإن المتضرر من ذلك يكون أبناء البلد وغيرهم ولن يفكر وافد في الهجرة إلى بلد أهلها باحثون عن عمل، ولكن في حالتنا هذه فإن المعادلة مقلوبة مواطن يبحث عن عمل ووافد يحصل عليه بسهولة! كيف ذلك؟
سألت بعض العارفين والعامة ممن يعرفون وممن لا يعرفون معنى الاقتصاد والاستثمار عن إجابة لمعادلتي فلم يسعفني شخص بجواب شاف وكأنها معادلة آينشتاين في نظريته النسبية التي لم يستطع إلا القليل حلها، البعض أشار إلى خلل في المواطن الباحث عن عمل المشترط على الحكومة كي توفر له ما يريد من مكتب عريض وكرسي وثير وراتب كبير، في حين أن البعض ألقى باللائمة على الحكومة ذاتها التي لم تستطع التخطيط لمثل هذا اليوم ومثل هذا السؤال ليكون جواب المعادلة حاضرا لديها، والآخرين ألقوا باللائمة على المواطن ذاته الذي سمح للوافد أن يسلب منه وظيفته أما بالطوع أو بالكراهية فهو استقدمه وفرش له البساط ومهد له الطريق ومكنه مما لم يمكن لأبنائه من بعده فصار هذا القادم هو من بيده مقاليد الأمور، وهو يحكم ويتحكم باسم التجارة والاستثمار ومن استقدمه ليس له سوى الاسم وبضعة قروش تلقى إليه كل عام.
هناك من ألقى حجرًا فتحرك الماء الراكد فغرد بصوته خارج السرب ليقول: إن معادلتك سببها ذواتنا أي نحن أنفسنا لم نستطع الموازنة بين طرفي المعادلة فاختل ركناها فلا ملامة على أحد فيها، إن استقمنا بأنفسنا استقامت أمورنا واعتدلت موازيننا وإن اعوججنا فلا ملامة ولا عزاء لنا، سلوكنا الذي نسلكه بحاجة إلى تغيير وأنماط حياتنا بحاجة إلى تبديل، الكل بات يشتكي من كل شيء؛ شكوى في الصحة والجسم وانتشار في الأمراض والعلل وشكوى في المال والقرش نجمعه من حيث نعلم ولا نعلم وننفقه أيضًا على ما نعلم ولا نعلم ونصرفه حتى قبل بلوغ تمامه، نشتكي من أنفسنا ولأنفسنا، نشتكي للآخر الوافد كي يجد لنا حلا في شكوانا ونحن من تسبب في هذه الشكوى فلا نتوقع أن يصغي إلينا أحد أو يجد لنا حلا فيها، أنماط حياتنا باتت مرهونة للوافد وكّلناه كل شيء من البيت وحتى الوظيفة، بدونه لا نستطيع عمل أي شيء وان كان بسيطا.
مرة صارحني صديق همسا «بأنه لا يجزع من خروج زوجته من البيت، لكنه يجزع لخروج العاملة منه» وأن كنا قد بلغنا إلى هذا الحد فأعتقد أن الأوان قد آن بأن نقرأ على أنفسنا الفاتحة، ولا ننتظر من أحد أن يجد لنا حلا أو علاجا للمعادلة المذكورة أعلاه فهي صعبة للغاية، وربما هي أصعب من كل معادلات الرياضيات والعلوم وأن كان لي رأي أو كما يقول أرباب اللغة من دلو أدلي به في نهاية هذه المقالة فإنني أقول بأن حل المعادلة بسيط جدًا، ويكمن في تمكين المواطن نفسه في بلده وموطنه وأن يقبل ويرضى أن يخدم نفسه أولا ثم أهله وباقي المجتمع، وأن لا يترفع عن عمل أي شيء لأن الحياة لم تعد كما كانت سابقا.


http://omandaily.om/?p=475663

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع