التخطي إلى المحتوى الرئيسي

" الذين يأكلون الربا"






    
      قبل عام من هذا اليوم خرجت كثير من الاحتجاجات في شرق البلاد وغربها مطالبة بكثير من الأمور لعل من أهمها كان السماح بالتعاملات الإسلامية في القروض البنكية بدلا من القروض الحالية التي صنفت في خانة " قروض الربا"، لم تطل الاستجابة من قبل الحكومة التي سمحت للبنوك التجارية العاملة في البلاد بالتعامل مع القروض الإسلامية بل وزادت على ذلك بالترخيص لبنك إسلامي بمزاولة نشاطه كأول بنك إسلامي في السلطنة.


طبعا تهلل وجه البنوك التجارية لهذه الخطوة وبدأت في "الاستسلام" أي الدخول في الإسلام وتحويل جزء من قروضها إلى قروض مطابقة للشريعة الإسلامية وبدأت في "الاستسلام" لمطالب بعض فئات المجتمع التي رأت أن في القروض الإسلامية مخرج لها يمكنها من اقتراض أية مبالغ مالية طالما توافق ذلك مع الشريعة الإسلامية والدين الحنيف.


كنت أحد السعداء بتلبية هذا المطلب – ومن منا لا يرغب أن تكون دنياه خالية من الربا – فقصدت أحد هذه البنوك التي افتتحت قسما خاصا للمسلمين – أقصد لمن يرغب في اخذ قرض المسلمين- لأجد أن لا فرق يذكر بين القرض التقليدي أو ما يطلق عليه القرض الربوي وبين القرض الإسلامي، بل على العكس أصبحت قيمة الإسلام وقرضه أغلى واعلي من قيمة غيره من القروض. ما اختلف بين القرضين هو الشكل فقط وبقي المضمون كما هو عليه لم يتغير في القرض التقليدي أنت مرهون بنسبة فائدة يقررها البنك تدفعها على مدار سنوات قرضك، في حين أن الدين الإسلامي يحرم نظام الفائدة ولكنه يحلل البيع والشراء " واحل الله البيع وحرم الربا" البنك يشتري منك ما تريد شراءه سواء عقار أو غيره ثم يعيد بيعه لك من جديد بنظام سنوات الدفع ويبقى عليك أن تفتح جيبك وراتبك ليصب في خزانة البنك.


المؤسسة الدينية في بلادنا قامت بإجراءات " أسلمة" الصيرفة ، ولم يكن يعنيها لا من قريب ولا من بعيد مدى الفائدة التي سيدفعها المواطن المقترض للبنوك ومدى السنوات التي سيظل يعاني فيها المواطن من " جشع" هذه البنوك التي ما أن تقرضك مبلغا حتى تسترده بأكثر من الضعف ويبقى المقترض والمستدين يكابد سنوات حياته وربما حياة أبناءه من بعده من ذل الدين ويبقى صوته مبحوحا في طلب واستجداء واستعطاف واسترضاء الحاكم والحكومة من أن ترفع عنهم البلاء وتخفف عنهم دينهم وتسقط عنهم كاهلهم هم الليل وذل النهار.


بنظرة بسيطة وغير متعمقة في الأرباح الصافية للبنوك المحلية العاملة هنا بالسلطنة لوجدناها تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من مائة مليون ريال عماني وبنسبة نمو أكثر من عشرة في المائة عن الأعوام التي سبقتها. ولو سألت أي رجل عامي من الشارع لا يفقه في الاقتصاد ولا الصيرفة عن مبلغ المائة مليون ريال إرباح صافية من أين أتى؟ لقال لك بكل ثقة مني ومنك فنحن من ينمي هذه الثروات ونحن من توزع فلوسه على أعضاء مجالس الإدارة والعاملين والمساهمين في ذلك البنك ونحن من لا يجد فلسا واحدا نهاية الشهر في حسابه في حين هو ينمو في حسابات الآخرين.


أنظمة الصيرفة سواء أكانت ( ربوية أم إسلامية أم يهودية أم نصرانية أم مجوسية) كلها تصب في خانة واحدة تختلف في المسميات وتتفق في الأهداف ولا يعني تلك البنوك بأي نظام تعمل لطالما أن أرباحها في تزايد يومي، هل تفصل ما تراه مناسبا لها وعلى الآخرين أخذ المقاس المناسب لذلك التفصيل كي يلبس الناس ما فصلته تلك البنوك.


أنا لست من المفسرين للقرآن ولا من أهل الدين ولكن بفهمي البسيط أعتقد بأن الآية القرآنية " الذين يأكلون الربا" نزلت في المقام الأول في من يحًمل الناس قروضا فوق طاقتهم لا يستطيعون سدادها وأيضا في الناس اللذين يتعاملون بالربا. ويبقى أننا تدعوا الله عقب كل صلاة وفي آناء الليل والنهار أن يجنبا الله قروض البنوك الإسلامية وغيرها وأن ينعم علينا بنعمة منه سبحانه تسقط عنا الدين انه مجيب الدعاء.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ashouily@hotmail.com









تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع