التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عودة الثقة إلى مؤسساتنا الوطنية




ابتلاني الله بمرض لجأت لعلاجه لأحد المستشفيات الحكومية هنا في مسقط. شخَص الطبيب الحالة بأنها بحاجة إلى عملية جراحية فاضطررت إلى النوم بالمستشفى.


حقيقة أدهشني النظام الصارم المتبع في ذلك المستشفى ودقة مواعيد إجراء العمليات والمتابعات الطبية من قبل الأطباء والكادر الطبي، القائم على السهر على راحة المريض ليل نهار فتساءلت ما دام لدينا كل هذه الخدمات المتطورة في الجوانب الطبية والعلاجية لماذا يذهب الناس للعلاج للخارج؟


بعد بحث بسيط لم أكلف فيه نفسي عناء البحث عن المشكلة وأصلها وجذرها وصلت إلى إجابة بأن هنالك بعض الغشاوة والكدر الطافي على السطح يمنع الناس من مشاهدة الماء الصافي الذي يأتي تحته. هذه الكدارة هي المنغصات التي يلقاها المواطن كل يوم في سبيل حصوله على خدمات صحية جيدة في مستشفيات بلاده منها على سبيل المثال لا الحصر طول مدة المواعيد والفحوصات وإجراء العمليات الذي يصل في بعض الأحيان إلى سنة وأكثر وغيرها من الاكدار.


ما ينطبق على وزارة الصحة ومستشفياتها ينطبق على الكثير – إن لم اقل كل – المؤسسات الوطنية العاملة والتي تقع تحت مظلة الحكومة. فهنالك في كل وحدة من وحدات الجهاز الإداري للدولة - سواء أكان كبيرا متشعبا أم صغيرا ضيقا يؤدي خدمة لفئة معينة من المجتمع- هنالك نظام قائم على أسس ذا بنيان جيد تستفيد منه هذه الفئات، وان كان ذلك النظام في العديد من تلكم الوحدات الإدارية قديما باليا لم يتم تحديثه وتجديده فهو يعمل كما هو عليه منذ ولد والى يومنا هذا.


مع كل هذه المعطيات يطرح سؤال هو: كيف نعيد الثقة إلى مؤسساتنا الوطنية؟


في حياتنا الخاصة إن انعدمت ثقتنا في شخص أو شيء ما فمن الصعوبة بمكان إرجاع تلكم الثقة إلى محلها ومكانتها التي كانت عليها " إن الزجاجة كسرها لا يجبر". فما بالك إن فقدت هذه الثقة في مؤسسة من المؤسسات أو كيان من الكيانات فما تم بناؤه على مدى عقود عديدة من العمل الدؤوب المضني يمكن أن ينهار في أقل من ساعة حاله حال بناء الرمل عندما يأتي عليه مد بحري يزلزله من بنيانه.


يقول الشاعر أبو الحسن التهامي .. جبلت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذاء والأكدار. وهنا بالطبع لا يقصد شاعرنا الحكومة التي جبلت على كدر بل كان حديثه عن الدنيا بأكملها التي جبلت على الأقذاء والاكدار، ولكن لا يمنع من استعارة بيته الشعري هنا ونسبته إلى الحكومة التي لا أحسب أن الكثيرون منا يختلف بأنها لا تخلو في كثير من مؤسساتها من أقذاء وأكدار تكدر عليها صفو خدماتها التي تقدمها لمواطنيها.


ماذا على الحكومة أن تفعل لتعيد الثقة إلى نفسها؟ وماذا علينا نحن أن نفعل لنساعد الحكومة على فعل ذلك؟


هنالك مجموعة من العوامل منها ما يتعلق بجوانب الإدارة وتطبيقاتها ومنها ما يتعلق بجوانب التحديث التي يجب حقنها في جسم المؤسسة.


يرى علماء الإدارة الحديثة إن هيكل أي مؤسسة صغيرة أم كبيرة لا بد وان يقاد بواسطة قائد ناجح تتوافر فيه صفات القيادة والإبداع. يقول نابليون " إنني أفضل جيشًا من الأرانب يقوده أسد عن جيش من الأسود يقوده أرنب ". ولست هنا بصدد تفصيل مواصفات القيادة الناجحة ولكن ما عنيته بأن قائد أي مؤسسة أو وحدة إدارية حكومية هو مسئول عنها أمام الرأي العام والجمهور ومسئول مسؤولية مباشرة عن الخدمات التي تقدمها ولا يجب على الناس معرفة أحدا غيره عندما يكون هنالك تقصير أو إخلال في هذه الخدمة او تلك فهو من يجب أن يتصدى للإخفاقات التي تحصل في مؤسسته كما يتصدى في نسبة الانجازات إليه.


الشق الآخر هو إدخال التحديث في صلب المؤسسة ويقصد بالتحديث هنا بمفهومه الواسع تحديث الكوادر البشرية وتجديدها وتحديث الأنظمة والقوانين وتحديث الأجهزة وإدخال التقنيات الحديثة في جسد المؤسسة وغيرها من التحديثات المرتبطة بالإدارة وعلومها.


هذا فيما يتعلق بجوانب الحكومة نفسها، أما ما يتعلق بالشق الآخر وهو نحن كمواطنين فيجب علينا تنبيه الحكومة إلى مواطن الخلل في أجهزتها ومساعدتها في إيجاد الحلول للمتعطل منها وفي ذات الوقت النظر بعين من الرضى على بعض الخدمات المقدمة من قبل جهاز يقوم بصرف ملايين الريالات للسهر على راحتنا واستقرارنا.


لست منظرا ولا إداريا ناجحا ولا مدربا في نظريات الإدارة الحديثة حتى أتحدث عن موضوع إعادة الثقة في مؤسساتنا الوطنية ولكن هي محاولة غيورة مني – قد يعتبرها البعض نفاقا حكوميا- لإزالة الطبقة المتكدرة من الماء التي تطفو على السطح حتى يعود الماء صفوا كما كان في يوم من الأيام.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع