التخطي إلى المحتوى الرئيسي

انقذوا الطبقة الوسطى


                                       

 
تقسم الطبقات في أي مجتمع إلى ثلاث طبقات هي الطبقة الدنيا تليها الوسطى فالعليا. يمثل الطبقة الدنيا فقراء الناس وذوي الدخول المنخفضة في حين أن الطبقة الوسطى يمثلها الناس ذوو الدخول المتوسطة أما الطبقة العليا فهي طبقة الأغنياء.


ولست هنا بصدد التطرق إلى التنوع والاختلاف في الطبقات الثلاث فمجالها بحوث الدراسات الاجتماعية والسكانية.


هنا، في سلطنة عمان حيث تتميز قاعدة الهرم بأنها تتكون من الطبقة الوسطى ومعظم فئات الشعب تنتمي إلى هذه الطبقة – حسب علمي – وتتميز هذه الطبقة بدخلها المالي المتواضع الذي غالبا ما تحصل عليه عن طريق مصدر واحد هو الوظيفة أيا كان مصدرها سواء حكومة أم قطاع خاص أم عمل حر. ومؤخرا بدأ بعض الناس في تكسير هذه الطبقة إلى ثلاث طبقات طبقة متوسطة فقيرة وطبقة متوسطة متوسطة وطبقة متوسطة غنية وحجتهم في ذلك بأن هنالك بعض المتغيرات التي ادخلت إلى المجتمع وساهمت في تكسير هذه الطبقة.


أول ما سمعت عن نداء الاستغاثة هذا " انقذوا الطبقة الوسطى" كانت في إعقاب الزيادة المالية في رواتب الموظفين الحكوميين التي أسميت " علاوة غلاء معيشة" ولم تأت هذه العلاوة متساوية لكل الموظفين على حد السواء بل أنها راعت أن تكون زيادة الموظفين ذوي الدرجات الدنيا بنسب أعلى عن موظفي الدرجات المتوسطة، حيث ارتفعت أجور موظفي الدرجات المالية الدنيا – وربما قارب البعض منها الدرجات المالية المتوسطة- في حين أن الدرجات المالية العليا نالها نفس نسبة الزيادة أو أقل قليلا عن الدرجات الوسطى وهؤلاء ليسوا كما قال أحدهم "بحاجة إلى رواتب الحكومة".


منذ ذلك اليوم والكثير من سكان الطبقة الوسطى يشعرون بأنهم أصبحوا على شفير الوقوع في شراك الطبقة الفقيرة التي بدأت دائرتها في الاتساع لتشمل أجزاء من الطبقة المتوسطة وهي المتوسطة الفقيرة، ومن هنا بدأ البعض في طرح تساؤل هل فعلا بدأت الطبقة الوسطى في مجتمعنا في التآكل؟


نحنا هنا في عمان حالنا حال غيرنا من مجتمعات العالم المتعولم نتأثر بما يتأثر به هذا العالم من تقلبات سياسية واقتصادية وسكانية ومجتمعية. وفي العالم المتقدم بدأت بعض الإرهاصات التي تحذر من انهيار أو تآكل الطبقة الوسطى نذكر منها على سبيل المثال الاحتجاجات التي تجري في الولايات المتحدة والتي تقودها بعض الحركات حاملة شعار " احتلوا وول ستريت" وما يجري أيضا في أوربا مجتمعة من احتجاجات لا تركز على الجانب السياسي بل أنها قائمة على اسسس اقتصادية بحته وتغلغل الرأسمالية في المجتمع والإجراءات والتقشف الاقتصادي. كل هذه الاحتجاجات تتفق في هدفها وهو حماية الطبقة الوسطى من جشع التجار ومضاربي البورصات ومنع هذه الطبقة من التآكل.


يقول فرانسيس فوكوياما الذي اشتهر بنظريته " نهاية التاريخ" التي أطلقها وروج لها، وهو اليوم يروج لنظرية أخرى أطلق عليها اسم " مستقبل التاريخ" يقول فوكوياما " إن الطبقة الوسطى قد بدأت سلفا في التآكل سلفا في الولايات المتحدة حيث ظل متوسط الدخل ثابتا منذ أعوام السبعينات، مضيفا انه بدون هذه الطبقة الوسطى فان الديمقراطية الليبرالية ستفقد مرساها".


لنعود إلى الداخل، مع تطبيق بسيط لنظرية فوكوياما من أن متوسط دخل الفرد في بلادنا ظل كما هو عليه منذ سبعينات القرن الماضي لم تطرأ عليه تغييرات تذكر، بل إن من استفاد من الإعانات التي تقدمها الحكومة في بعض قطاعاتها كالتعليم العالي والمنح الدراسية والإعفاءات من الرسوم وغيرها لم تشمل الطبقة المتوسطة بل ركزت فقط على الطبقة الفقيرة – التي لا نحسدها والعياذ بالله- ولكن بقيت الطبقة الفقيرة هي المستفيدة من هذه الإعانات وزادت معاناة الطبقة الوسطى من كونها بأنه بات لزاما عليها تكبد تكاليف أكثر في الحياة.


" احموا الطبقة الوسطى" حماكم الله فلو بدأت هذه الطبقة في التآكل وبدأ سكان هذه الطبقة في التقهقر إلى الطبقة الفقيرة " ما بات يطلق عليهم اليوم الفقراء الجدد" فان ميزان المجتمع سيبدأ في الرجوح لكفة واحدة هي كفة الأغنياء الهوامير وقد نشهد في يوم من الأيام القريبة احتجاجات لاحتلال مبنى سوق المال.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع