التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل أنت عماني ؟

هل أنت عماني ؟
عبدالله بن سالم الشعيلي.
twitter.jpgashouily
    نتهم نحن العمانيين بأننا شعب لا يقدر قيمة العمل، ولا يخلص ولا يتفانى فيه أيضا. أي بمعنى آخر نحن شعب نعتمد على الآخر كثيرا في انجاز كثير من أعمالنا ونكتفي بالمراقبة والإشراف عن بعد.
سمعت هذه العبارة مؤخرا من أحد الأجانب المقيمين لفترة طويلة في هذا البلد، كان الحديث قد ابتدأ عن مسارات التعليم والتعليم العالي وجودته ومخرجاته وتفرع إلى أشياء وأحاديث أخرى حتى جاء الحديث على ذكر صديق عماني يعمل معه في نفس الوظيفة بجد ونشاط وتفان وإخلاص لدرجة أنه سأله هل أنت عماني؟ مع معرفته بالجواب وأصل وفصل ذلك الزميل إلا أن سؤاله كان ذا مغزى وهو أن العمانيين لا يعملون مثلك بهذا التفاني والإخلاص والجد والمثابرة وما عرف عنهم أنهم شعب لا يكترث كثيرا  بالعمل وقيمه.
ربما تتطابق صورتنا هذه مع صور باقي جيراننا من دول الخليج فكلنا كما يقال في الهم شرق، حيث قرأت مرة أن متوسط إنتاجية الموظف الحكومي في دول الخليج لا يتجاوز 48 دقيقة فقط في اليوم لو سلمنا أن الدوام الرسمي في تلك الدوائر يصل إلى سبع ساعات فهذا الموظف يقضي أقل من ساعة في اليوم في عمله الحكومي ويهدر أكثر من 80 في المائة من وقته بما لا يعود على الموظف ولا على من وظفه بالفائدة.
الكثير من موظفي الحكومة أو كما نقول عنهم موظفي القطاع العام سوف لن يعترفوا بهذه الأرقام والنسب ويعتبرون أنها أرقام مبالغ فيها وأنه لا توجد معايير وأسس لقياس أداء الموظف رغم أنهم لا يفارقون مكاتبهم منذ الصباح الباكر وحتى ما بعد صلاة الظهر جماعة في مساجد تلك الدوائر والمؤسسات.
لماذا وصلنا إلى هذه النظرة التي جعلت من الأخر يتندر علينا وينعتنا بأننا لا نعمل ولا نتفانى فيه وأننا تركنا خدمة وإعمار بلادنا إلى الآخر الذي استقدمناه طلبا لخبرته وعلمه ومعرفته؟
هل يرجع سبب ذلك إلى ثقافة العمل السائدة بيننا والتي علمتنا بأن الوظيفة أيا كان مكانها هي حق مكتسب للمواطن وأن الدولة يجب عليها البحث وتوفير فرصة العمل الملائمة للمواطن حتى دون أن يبذل جهدا كبيرا فيه، أم بسبب مخرجات تعليم لم تراع ضرورة إدماج الجانب العملي مع الجانب النظري في الدراسة، أم بسبب رخاوة القوانين الرادعة والحامية في ذات الوقت للموظف من أن يرتكب ضده أي إجراء أو أن يتم نقله أو تحريكه من كرسيه الوثير الذي اعتاد الجلوس عليه، أم بسبب غياب الرقابة الداخلية في ذات الفرد والخارجية التي تراقب ما يقوم به الموظف وتحاسبه عليه إن أحسن أو اساء، أم بسبب تعطيل كثير من قيم العمل وأخلاقياته في كثير من مؤسسات القطاع العام فلم يعد الفرد يشعر بالمسؤولية تجاه الخدمة التي يقدمها للآخر وضرورة أن تنعكس قيم المجتمع والدين على قيم العمل من حيث احترام الوقت والمكان واحترام من تقدم له الخدمة.

قد تكون هذه العوامل مجتمعة هي من خلقت لدينا جيلا من العمانيين بات لا يكترث بالعمل والتفاني فيه طالما أنه في نهاية كل يوم سوف لن يجد من يحاسبه على ما قدمه أو أخره في يومه، وانه في نهاية كل شهر سوف يجد راتبه الشهري قد تم إيداعه في البنك دون أن تنقص منه بيسة واحدة.

أختم بقول قاله صاحب عمل "لو أجد طريقا عن عدم توظيف عماني لسلكته". من المؤكد أن يكون صاحبنا هذا قد جانب الصواب فيما قال، فكثير من نماذج هذا الوطن مشرفة في تفانيها في عملها وإخلاصها له، ولكنه من المؤكد أيضا أن هنالك فئات أخرى قد ضلت طريق العمل وهي بحاجة إلى الهداية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع