التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حارس الوعل

اللوتي الحرسوسي، حارس للحياة الفطرية في محمية الكائنات الحية والفطرية في المنطقة الوسطى والتي كانت تعرف بمحمية المها العربي، وصل إلى سن التقاعد قبل سنوات قليلة، عرفته قبلها بأعوام بينما كنت في زيارة إلى تلك المحمية لتصوير فيلم وثائقي تلفزيوني عن الحياة الفطرية في سلطنة عمان.
بدوي من الصحراء، ذو قامة متوسطة، تزين وجهه لحية اكتست بالبياض، وابتسامة لا تفارق محياه السمح، يلقاك من بعيد بوجه بشوش، يبدؤك بسؤال عن الأخبار والعلوم كحال سكان عمان كلها والبدو خصوصا، وما أن يفرغ من ذلك حتى يدعوك إلى قهوته البدوية التي يصنعها بنفسه في ذلك الحين على نار حطب السمر.
حكى لنا في جلسته تلك عن التحاقه بالعمل كحارس للحياة الفطرية في المحمية التي يسكن هو في جزء قصي منها، فهو قبل زواجه كان بدويا مرتحلا معه ناقته وعزبته وسيارته المتهالكة،ينتقل من مكان لآخر في أرجاء الصحراء قبل أن يعرف الاستقرار الأسري والبيتي. روى لنا قصته التي ابتدأها مع الوعل وانتهاها مع المها ، حين كان في يوم من الأيام متجولا في أرجاء المحمية إذ لاح له من البعد وعل ذو قرنان طويلان وفرو يشبه الأرض، بدأ بمخاتلته حتى تمكن من الإمساك به بمهارة عالية فالوعل كما هو معروف من أخجل الحيوانات وأكثرها حذرا ولا يسكن إلا المرتفعات العالية من الجبال. حمله على ظهره حتى أوصله إلى موقع المحمية سليما معافى، مما أبهر من كان حاضرا فقرر الحاقة بالعمل في المحمية كحارس للوعل.
مشهد آخر مع حارس آخر للحياة البرية في محمية السرين الطبيعية بالقرب من العاصمة مسقط، يقضي يومه متنقلا بين الجبال السامقة الشامخة مراقبا للوعل العربي، راصدا لتحركاته، دارسا لخطواته، ساهرا على راحته وراحة القطيع الذي يتخذ من قمم الجبل الأسود والجبل الأبيض مأوى له يأوي إلى كهوفها صيفا وينزل إلى وديانها شتاء. التقيت هنالك بسعيد وسيف من حراس المحمية اللذان أخذاني إلى أحضان الطبيعة والجبال القاسية الصلدة، حظيت فيها بمشاهدة زوج من الوعل العربي على مسافة ليست بالقريبة من ناظري، نمنا بعدها ليلتنا في أحد أودية الجبل الأسود بعد أن أنهكنا المسير ليوم كامل بين الجبال والوديان والصدوع أكبرت فيها العمل الشاق الذي يقومان به من أجل الحفاظ على حياة ذلك الوعل وغيره من الكائنات الحية في البيئة العمانية.
اللوتي الحرسوسي وسعيد وسيف وغيرهم الكثيرون لا نعرف نحن القابعون وراء مكاتبنا الوثيرة الكثير عنهم وعن شجاعتهم وتفانيهم في العمل وصبرهم على الشدائد ومكابدتهم للمشاق والمهالك في سبيل الحفاظ على الحياة الفطرية لهذا البلد، ولقد أكبرت التكريم الذي قام به معالي السيد خالد بن هلال البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني لبعض من مراقبي الحياة البرية لدورهم في حماية وصون الحياة الفطرية في السلطنة من الانتهاكات غير المشروعة ولجهودهم التي يقومون بها للحفاظ على هذه البيئة ومفرداتها من الاندثار والانقراض، فهؤلاء الحراس والمراقبون هم الجنود الساهرون على حماية ورعاية الحياة الفطرية في السلطنة وهم من جعل السلطنة في مصاف الدول التي تعنى بالبيئة والمحافظة عليها ويشهد لها دوليا بدورها في حماية بيئتها البرية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع