التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بين المتنبي والقذافي



أبو الطيب المتنبي هو من حاز على هذا اللقب، قال عنه خصومه ومناصروه بأنه شاعر ملأ الدنيا وشغل الناس سواء في حياته أو عند مقتله. واليوم يبدو أن الراحل معمر القذافي الرئيس الليبي السابق قد ينافس أبو الطيب على هذا اللقب حيث أنه فعلا ملأ الدنيا في حياته وشغل الناس عند موته.


بين الرجلين قواسم مشتركة لكن مع الفارق العظيم بين شخصيتيهما، فكلاهما أي أبو الطيب المتنبي والقذافي سارعت تصريحاتهما في مقتلهما. فأبو الطيب وكما تروي لنا القصص المتواردة عنه بأن شعره سارع بمقتله فعندما هجا أبو الطيب أم فاتك الاسدي بأقبح الصفات قام الاخير بالانتقام له ولعرضه بالترصد للشاعر وقتله انتقاما له ولاسرته. وكذلك هو الحال مع الراحل معمر القذافي الذي سارعت بعض خطبه التي كان يخاطب بها شعبه بمقتله عندما وصفهم بالجرذان وتعهد بمطاردتهم في كل زنقه وحارة، الامر الذي أثار حفيظة الليبيين وسارعوا بقتله بسرعة كبيرة بدون أن يقدم للعدالة أو المحاكمة.


مقتل الرجلين أيضا هو قاسم مشترك. فأبو الطيب اراد الهرب من غريمه في البدء لكن كلمة من خادمه أرجعته الى ساحة المعركة عندما استفزه بقوله ألست القائل الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم، رجع بعد هذه الكلمة لمواجهة غريمه الى أن قتل بضربة بالسيف. وكذلك هو الحال مع الرئيس الراحل معمر القذافي فهو لم يهرب من بلاده بل أصر على أن يقاتل ابناء شعبه حتى آخر يوم في حياته مرددا في نفسه بأنه سوف يطارد المرتزقة شبر شبر بيت بيت دار دار زنقة زنقه ولكن ما حدث أن انقلبت الاية فبات من ينوي المطاردة هو ذاته مطاردا ومن كان ينوي القضاء على الاخر صار هو المقضي عليه.


كلا الرجلين ملآ الدنيا وشغلا الناس في حياتهما وعند موتهما، كلاهما وصل به الغرور والعظمة الى الحد الذي كانا يتباهيان فيه بنفسيهما ويعتبران أنهما من افضل من أنجبت الارض. فأبو الطيب قالها مرة أنا الذي نظر الاعمى الى أدبي واسمعت كلماتي من به صمم وطبعا لم يطلق عليه لقب المتنبي الا بعد أن تنبأ بالنبوة - كما نقلت الينا بعض المصادر هذا القول – فادعى بأنه أفضل الخلق أجمعين وأن الله اصطفاه بالنبوة بعد نبوة محمد عليه السلام. وأيا ما يكون من صحة هذه الرواية من عدمها فان الرجل كان مغرورا بنفسه معتزا بها، وهو نفس الحال مع الرئيس الراحل معمر القذافي الذي قال مرة بأنه من نسل الرسول محمد عليه السلام- كما نسبت بعض المصادر عنه-، وكان يردد دائما بأنه ليس رئيسا منتخبا ليقدم استقالته أو ليتنحى.. فهو قائد وزعيم ومبشر ورسول بعثه الله لإنقاذ عشيرته وشعبه وأتباعه ليس فقط في ليبيا بل في العالم بأسره.


لا أقصد هنا المقارنة بين الرجلين اطلاقا، فما قدمه أبو الطيب للعرب ولغتهم أكبر بكثير مما قدمه لهم القذافي. العرب يفاخرون اليوم بأبو الطيب لكنهم يسخرون من القذافي. ولكن ما اردت قوله هنا بأن حياة الشخص هي مقدمة لموته فمن عمل خيرا فيكن موته خيرا والعكس وهنا اتذكر مقولة لرئيس ليبيا الراحل مخاطبا العرب في قمة دمشق في العام 2008 عندما أعدم الرئيس العراقي صدام حسين قال بأن " الدور جاي عليكم كلكم".


قد يكون الراحل قد تنبأ منذ ذلك الوقت بالربيع العربي وانتهاء حكم الكثير من حكام العرب المتبدين وهو أحدهم.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع