التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مدينتي تقرأ


  بدأ بعض السعادة والفرح يلج الى داخل قلبي الذي انهكه كثرة الحزن على ما فقد في ربيعنا العربي وعلى الحال الذي وصلنا اليه اليوم من مآس وويلات حروب كنا في غنى عنها، ولكنني سمحت لبعض الفرح أن يتسرب الى داخل نفسي عقب خبر قرأته عن مبادرة أكبرت القائمين عليها وهي مبادرة " مدينتي تقرأ" التي أخذ بزمامها مجموعة من الشباب وبجهودهم الشخصية وبتبرعات مالية محدودة.


" مدينتي تقرأ" هي كما قال عنها مبادروها بانها "مباردة ثقافية واجتماعية لتشجيع القراءة والمطالعة الحرة تهدف الى خلق مجتمع قارىء". انطلقت هذه المبادرة من ولاية الرستاق تلك الولاية العريقة التي كانت في يوم من الايام عاصمة لعمان أيام حكم اليعاربة وتزخر بتاريخ وتراث حضاري عريق ضارب في القدم.


هذه الولاية بدأ شبابها يفكرون في استغلال أوقات الفراغ لدى مجتمعهم فبدلا من قضاء الاوقات في القيل والقال والمشاهدة واللعب، أو كما اختصرها أحد المتبحرين في علم التنمية البشرية ب الثلاث شينات وهي شيشة – شاشة – شاي قرروا استثمار هذه الاوقات فيما ينفع النفس والمجتمع بمبادرة ترجع الناس الى أول آية أنزلها الله على رسوله الكريم وهي " اقرأ" وكأنهم يقولون لنا وللمجتمع ككل بأن الانسان لا بد أن يبدأ حياته بالقراءة وينهيها بالقراءة.


مبادرة أهل الرستاق ذكية للغاية – وهذه بالمناسبة رأي شخصي- من حيث إدراكهم بأن العصر ليس عصر قراءة ولا الجيل الحالي جيل قارىء ولكنهم صمموا مبادرتهم لتكون مرنة وتستقطب الصغير قبل الكبير، حيث بدأوا بتوزيع مكتبات متكاملة في أماكن الانتظار بعدد من المؤسسات الحكومية فبدلا من أن يقضي الشخص المنتظر لموعده مع الطبيب أو لرقمه في القوى العاملة بدلا من أن يقوم بالتسلية واللعب على جهازه النقال فانه يمكنه أن يقصر وقته كما يقول المثل العماني في قراءة كتاب صغير أو مجلة أو ما كان من كتب.


كما فكر هؤلا الشباب في اقامة معرض للكتب المستعملة واطلاق برنامج " مشاركة" لتبادل استعارات الكتب بين الناس وتأسيس أول مكتبة متنقلة مخصصة للاطفال وأيضا تدشينهم لحملة تهدف الى اقامة مكتبة عامة في ولايتهم.


جميلة جدا هي هذه الافكار، فهي ليست بحاجة الى مبادرة حكومية كي تأخذ بزمامها ويطول بها الزمان كي تلتمس طريقها نحو النور، وجميل جدا أن تأتي هذه الافكار من شبابنا المتعلم الواعي الذي يؤمن بأن عليه واجبا وحقا في تنمية مجتمعه الذي يسكن فيه وهو ليس رقما يضاف الى خانة المجتمع الغير فاعل، لكنه رقم فاعل وقادر على احداث تغيير في مجتمعه.


أتمنى أن تحذو كل الفرق الرياضية حذو فريق الرستاق الذي تبنى هذه المبادرة وأتمنى كذكلك أن نجد مبادرات أخرى مشابهة تخرج من كل حدب وصوب من أنحاء وطننا الحبيب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع