التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عام الخروف

ثلاثة أيام وتنقلب الصفحة إلى صفحة جديدة، إلى عام جديد، إلى ميلاد جديد، إلى رقم جديد يضاف إلى أرقام سابقة شهدتها الإنسانية من قبلنا وستشهدها من بعدنا، يسطر فيها المنتصرون إنجازاتهم ويندب فيها الخاسرون خيباتهم وأوجاعهم، يضحك فيها البعض ويبكي فيها الآخر بحرقة الدم والدمع. عام انقضى بكل أفراحه وأتراحه، بكل حروبه ودماره، بكل مؤامراته ومكائده، وبكل أوجاعه وأسقامه، ولعل أصدق وأدق وصف لهذا العام هو ما أطلقه الصينيون على سنتهم هذه من تسميتها بسنة الخروف والتي يعتقد الصينيون بأنها سنة فأل سيء وتجلب لهم سوء الحظ.
يعتبر الصينيون أن الخروف يتمتع بحظ سيء بين أقرانه الحيوانات الإثني عشر التي تتكون منها السنة الصينية والتي تبدأ في شهر فبراير وتمتد حتى اثنتي عشرة سنة لتبدأ بعدها سنة جديدة، وكل عام صيني يحمل اسم حيوان حيث يبدأها الفأر بالعام الأول يليه الثور فالنمر فالأرنب والتنين والثعبان والحصان ثم العام السابع الذي هو عامنا عام الخروف يأتي بعده عام القرد ثم الديك فالكلب وتنتهي بعام الخنزير.
وبحسب المعتقد الصيني فإن من يولد في عام الخروف فإنه سيكون مفتقرًا إلى الشدة والحزم، ويسهل انقياده من قبل الآخرين ولا يملك اتخاذ قرار وهو عاطفي مطيع لمن يأمره، وهذا هو طبع الخروف الذي ينساق وراء من يقوده حتى إن كان إلى حتفه وهلاكه.
في عالمنا العربي كان عامنا عام خروف حيث فقدنا الشدة والحزم في حسم الأمور، وفقدنا اتخاذ قراراتنا بأنفسنا وناب عنا الآخر في اتخاذها،عامنا كان عامًا مليئا بالصراعات والأزمات، عام تكالبت فيه الأزمات من كل حدب وصوب، وكما قال المثل العربي فإن المصائب لا تأتي فرادى بل تأتي مجتمعة، فهنالك من عانى من الحروب والتشرد، وهنالك من ترك أهله ووطنه، وغيره فقد أو ودع حبيبا له، وآخر بكى على أطلال دولة أو مدينة وغيرهم ممن شردته الكوارث الطبيعية ولكن يبقى أيضا أن هنالك ممن عاش هذا العام سعيدا مطمئنا وهانئا في سربه ناظرًا إلى العالم بصورة مشرقة منتظرًا غدًا جديدًا وسنةً جديدةً تطل بنورها على الأرض لتملأها فرحةً وبهجةً وعساه أن يكون كما يعتقده الصينيون من أن عام القرد سيكون عاما يتعايش فيه الناس بسهولة ويسر ومحبة وصفاء ويعم فيه الأمن والسلام، ندعو الله أن ننجو بأنفسنا من عام الخروف وأن يحيينا إلى عام القرد كي نشهد السلام والوئام والمحبة والصفاء تسود العالم أجمع.

http://omandaily.om/?p=302609 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع