التخطي إلى المحتوى الرئيسي

درس خصوصي

« مدرس رياضيات خبرة 20 سنة في تدريس المادة لجميع المستويات، للتواصل …» مررت على هذا الاعلان ملصوقا على عمود إنارة، ورأيته ثانية ملصوقا على واجهة محل للحلاقة قريب من مدرسة ثانوية، ووصلني مرة برسالة نصية في احدى المجموعات لأجدني محاصرا بصاحب هذا الرقم الذي أخبرني بعد اتصالي به من أن درسا خصوصيا لمدة ساعة يمكن أن يكلفني عشرين ريالا للمرة الواحدة، فحاولت أن أجادله بلغة الأرقام التي هو خبير بها فأجابني أن ليس لديه كثير وقت ليضيعه في ثرثرة لا طائل منها وإن قبلت برقم ساعته فعلي معاودة اتصالي به. في السابق كنا نسمع عن مدرس خصوصي يعطي دروسه في الخفاء بعيدا عن الأضواء، واليوم المدرس ذاته يعلق اعلانه في عمود إنارة ليرى الناس كلهم خدماته الجليلة التي يقدمها للمجتمع وأبنائه، وبالأمس يوم كنا صغارا نعيب على من يأخذ درسا خاصا ونعتبره من قليلي الفهم، واليوم صرنا بأنفسنا نبحث لأبنائنا عمن يعينهم على فهم ما لم يفهموه في حصص المدرسة وكأن المناهج قد تغيرت أو أن علوما أخرى قد أدخلت وزيدت عليها.
ما أعرفه أن الوزارة المعنية بأمر التعليم قد صنفت هذا النوع من الدروس بأنه تجارة مستترة يجب أن يحارب ممتهنها ومتعاطيها والمستفيد منها ولكن ما نراه على أرصفة الشوارع وحواريها أن هذه الوزارة لا يزعجها حقا هذا الأمر ،بل لربما هي تبارك هذا النوع من الدروس الذي يسهم في خلق جيل متعلم مرتين الاولى في المدرسة والثانية في البيت وأنها تغض الطرف كله أو بعضه عن تلك الممارسات التي يستفيد منها جميع الأطراف الطالب وولي أمره والمدرس وربما يستفيد منها الوطن بصورة غير مباشرة. لنرجع قليلا الى الوراء وندخل في تاريخ الدروس الخصوصية ومتى بدأت في غزو بلادنا ومن كان الغازي والأثر الذي أحدثه هذا الغزو في ثقافتنا التعليمية وكيف هو حال هذا الجيل الذي أدمن على هذه الدروس ولم يستطع الاقلاع عنها لنجد أن هذا التاريخ حسبما يرجعه المؤرخون الى بداية تسعينيات القرن المنصرم عندما بدأت جودة التعليم الحكومي تقل وبدأ بعض ممن استعانت بهم وزارة التربية من الوافدين مساعدتها في تعليم أبنائها بنشر ثقافتهم التي تربوا عليها وأتوا بها من أوطانهم من باب نقل الخبرات والمعارف الى البلاد التي قدموا اليها ليبدأ بعدها مصطلح « درس خصوصي» في الدخول الى سبلة البيت العماني وتجد المدرس الوافد يعطي دروسا للطالب العماني في مادة لم يستطع المدرس كما يقول الطالب ايصال المعلومة اليه. ولم يقتصر أمر غزو الدرس الخصوصي على ذلك بل تعداه الى أن تقام فصول بأكملها في شقق مستأجرة مخصصة لهذا الغرض استأجرها مدرس بمهنة مستعارة في بطاقته كي يسهم في تعليم أبنائنا العلوم الحديثة ولو في شقة مستأجرة. لو ولينا وجهنا شطر الغرب وسبرنا غور تجربته التعليمية لما وجدنا لديه مثل هذه الدروس،ولعرفنا أن الطالب يقضي ساعات يومه في مدرسته متنقلا بين فصله ومكتبته ومعمله ومرسمه وملعبه ،ولوجدناه يقضي جل وقته عند أوبته من فصله في استذكار دروسه وأداء فروضه ويساعده في ذلك والداه قدر الامكان ،ولوجدنا أن لدى الغرب الكثير من الوسائل التي تعين الطالب غير المجد في استذكار دروسه غير الدرس الخارج عن المدرسة.

http://omandaily.om/?p=306618 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع