التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الواسطة غالبة القانون


المركز الوطني للاحصاء والمعلومات أثبت في استطلاع للرأي حول توجهات الشباب العماني نحو العمل أن ثلاثة من أصل خمسة عمانيين يعتقدون أن الحصول على وظيفة حكومية قد يخضع للواسطة أكثر منه للكفاءة، وهو ما قد يثبت صحة النظرية التي توصل اليها العماني منذ ما يربو على الثلاثة عقود الاخيرة من عمر سنوات نهضتنا المجيدة من أن " الواسطة غالبة القانون" والتي تنطق مع تنهيدة نابعة من أعماق قلب مكلوم أو بهزة رأس آسفة على حال وصل اليه المجتمع من أسى أو بابتسامة خبيثة تنم عن أن الحال صار كالمرض المستشري لا يمكن الشفاء منه الا بالبتر أو الاستئصال.
بالنسبة لي كان وقع هذه المعلومة صادما ولكنه لم يكن كذلك لكثير من الاصدقاء، فمنهم من تعدى الرقم ثلاثة ورفع النسبة من خمسة الى  خمسة، وآخر سجل رقما قياسيا وصل به الى سبعة من خمسة ربما تهكما وربما مبالغة وربما تقديرا صحيحا من وجهة نظره الى الحال الذي وصلت الواسطة التي حتى القانون لم يستطع لها سبيلا.
لم أتقبل الارقام التي ساقها استطلاع المركز فقررت أن اتقصى الحقائق  بنفسي بعيدا عن أرقام الحكومة ومراكزها الوطنية، فبحثت في المواقع الالكترونية والاجتماعية والرسمية عن آراء الناس والمؤسسات وما يكتبونه إزاء هذه الآفة الخطيرة، وسألت كثيرا من الناس والاصدقاء عما اذا كانوا قد واجهوا مباشرة أو ما يشبه المباشرة لأي نوع من أنواع الواسطة سواء في التوظيف أو في الحياة العامة، في مكاتب الحكومةأوخارجها، فوجدت أن صدمتي الاولى من أرقام المركز كانت بسيطة مقارنة بما سمعته اذني من قصص وأخبار وتعليقات من استغلال للمناصب وممارسة للضغوط ودفع مبالغ وتسهيلات ومجاملات يحصل عليها فئة دون أخرى من الناس.
لم أكتف بما قيل أو يقال في الداخل عن ذلك، فجمعت بعض الارقام والبيانات الدولية التي أشارت الى تراجع مراكز السلطنة دوليا في محكافحة الفساد وأنواعه وأشكاله ولعل أبرزها الفساد الاداري والمالي، ففي احصائية لمنظمة الشفافية العالمية التي تعنىبمكافحة الفساد الحكومي كانت السلطنة في المرتبة الاولى عربيا في العام 2005والمرتبة الثامنة والعشرين دوليا في هذا المؤشر مباركا الجهود التي بذلتها عمان لاجتثاث الفساد الحكومي في بلادها. ولكن وكما يقول يقال دوام الحال من المحال، وكما هي لغة الارقام دائما متذبذبة في مؤشراتها كما هي حال أسعار النفط والبورصة، فإن أرقام عمان في مكافحة الفساد الحكومي أيضا سجلت هبوطا حادا بلغ أدنى مستوياته ففي تقرير هذا العام لذات المنظمة نشر في كل وسائل الاعلام جاءت السلطنة في المركز الرابع وقبل الاخير خليجيا بعد أن كانت الاولى عربيا وفي المركز الرابع والستين دوليا أي بانخفاض ست وثلاثين درجة في عشر سنوات فقط.
في قراءة بسيطة لارقام المركز الوطني للاحصاء والمعلومات وتقرير منظمات دولية عدة منها منظمة الشفافية الدولية واستطلاع شفهي لاراء الناس حول بعض القضايا التي يعاني منها جسد الوطن والتي باتت تنخر فيه، يمكن القول أن ما تقوم به الحكومة من محكافحة لفسادها لم يؤت أكله، ولم يجد انشاؤها لكثير من المجالس الرقابية والتشريعية والقانونية في الجوانب الادارية والمالية نفعا، بل إن الامر ربما استفحل وزاد عن حجمه وبات لزاما التدخل الجاد والحازم لتطبيق القانون الصارم الذي لا يمكن أن تغلبه الواسطة أو أي شكل من أشكال الفساد المختلفة أشكاله وأنواعه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع