التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مدرسة .. صفا


بحكم سكني بالقرب من مدرسة ابتدائية فإنني أستمع الى طابور الصباح كل يوم كاملا حتى إنني حفظت الموسيقى التي تعزف والأناشيد التي تردد والاذاعةالمدرسية، وفي نهاية الطابور أستمع الى استاذ الرياضية آمرا الطلاب بالانصراف.. مدرسة صفا .. مدرسة اااانتباه.
خلال الاسبوع الماضي وبدايات هذا الاسبوع، خفت هذا الطابور قليلا، فلم يعد صوت ذلك الاستاذ مجلجلا كما كان في الاسبوع الذي سبقه بحجة أن مدرس الرياضة كغيره من مدرسي تلك المدرسة يرفضون العودة الى صفوفهم حتى يتم تنفيذ بعضا من مطالبهم التي اهترئت في خزائن المسؤولين والمعنيين في الوزارة.
في حال التربية ومدرسيها انقسم الناس الى فرق وملل، منهم من أخذ بقول المدرس وقال في ذلك كلاما أكثر مما قاله مالك في الخمر، ومنهم من عارضه وطالب بإرجاع الطالب الى صفه وتحمل المدرس لأمانته ، ومنهم من وقف على الحياد ومنهم من آثر الصمت على الكلام لان في مثل هذه الامور السكوت كما يقال أبلغ من الكلام. وفي كل الحالات فلا المتكلمين ولا الصامتين ولا المحايدين استطاعوا إثناء المدرس عما عزم عليه من أمر، فاستمر في رفضه العودة إلى فصله وكتبه ودروسه وقلمه ودفتره وطلبته حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا كما قال أحدهم.

كلنا قرأ المطالب التي تقدم بها أكثر من خمسين ألفا من المدرسين في مناطق السلطنة المختلفة اجتمعوا فيها على ضرورة اجراء اصلاحات جذرية وهيكلية في سلم التدريس في السلطنة لما يعود بذلك من فائدة على الاجيال القادمة من أبناء الوطن، لانهم أحسوا من خلال خبرتهم العلمية والعملية في سلك التدريس أن هذا القرن لا يمكن الولوج اليه الا بعلم ينتفع به وشباب صالح مثقف وواع، وهذا الامرهو ما يوافقهم عليه الجميع ابتداء من ولي الامر الذي يتمنى أن يتربى أبنائه التربية الصالحة ويتعلم العلم النافع، ويتشاطر معهم هذا الرأي وهذا التوجه من عني بإدارة تلك الوزارة التي ربما أثرت في بعض من مساراتها البيروقراطية الحكومية التي تنخر في عظم الدولة والمجتمع.
وعلى الرغم من معقولية كثير من مطالب المدرسين، إلا أن طريقهم الذي سلكوه -بعد أن سدت كما يقولون الكثير من السبل والابواب في طريقهم - لا يبدو أنه يسير في الاتجاه الصحيح من حيث كونه أنه لا يتماشى مع ما يدعون اليه هم كمثقفينللاجيال من أنه يدعو الى الرفض السريع لكل ما لا يعجب الفرد سواء أكان ذلك من مؤسسة أو مجتمع، بالاضافة الى أن هنالك طرقا أكثر حضارة ورقي للمطالبة بالمطالب بدلا من حرمان طلاب العلم من فرصة التعليم والتزود بالعلوم.
أخبرني صديق التقيته قبل فترة أنه ندم في يوم ما على ما قام به من رفض لبعض ممارسات تقوم بها المؤسسة التي يعمل بها، لان رفضه ذلك جاء بآخر ولم يكن ذلك الآخر بمستوى الطموح الذي كان المرء يتمناه، لذا فأقول بأن التغيير الذي يطالببه البعض قد لا يكون بذات الطموح الذي ننشده، وهنالك تجارب من آخرين جربوا ذلك فندموا على ما أقدموا عليه وتمنوا أن لا يغير الله عليهم أمرا، ونتمنى أن لا يغير الله علينا نعمته التي أنعمها علينا وأن تعود المدرسة صفاء نقاء كما كانت من قبل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع