التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ماذا أريد ؟



وأنا صغير لا زلت أذكر كمً الاسئلة التي كنت أتلقاها ممن أعرف وممن لا أعرف عن
أمنيتي عندما أكبر؟ "ماذا تريد أن تكون عندما تكبر"؟ وكانت الاجابة في ذلك الوقت حاضرة في ذهني، أريد أن أكون طبيبا! وعندما أملً من ترديد هذه الكلمة لكثير من السائلين أقول للاخرين أمنيتي أن أكون مهندسا! وفي بعض الاحيان أريد أن أكون طيارا، وهكذا هو حال أمنياتي الكبيرة لصغير السن مثلي.
كبرت ولم يتحقق شيىء من أمنيات الصغر، فلا أنا اليوم بطبيب ولا بمهندس ولا بطيار وانما موظف يقضي جل وقته من إجتماع لآخر يستمع لهذا وينصت للآخر وبين فينة وأخرى أكتب بضع سطور أنشرها هنا وهناك لاقنع نفسي بأنني كاتب يحاول أن يكتب أول سطر في حياته.
اليوم أنا على مشارف الاربعين من العمر وهو ما يقال عنه بأنه مرحلة اكتمال العقل، ولا زال عقلي – الغير مكتمل- يلحً علي بالسؤال ماذا تريد أن تكون؟ ولكن الاجابة هذه المرة غير حاضرة كما كانت في المرة السابقة، لا أدري فعلا ماذا أريد أن أكون في باقي عمري! هل أكون أبا صالحا يربي أبنائه على الفضيلة والتربية الحسنة في عالم بات يضج بالفوضى، أم أريد أن أكون صاحب جاه ومنصب ويشار لي بالبنان بأنني فلان الفلاني صاحب المنصب الفلاني والبيت الفلاني والسيارة الفلانية؟ أم أريد أن أكون صاحب علم ينتفع منه، أنكب على قراءة الكتب وأبدأ في تدوين ما تركه السابقون وغفله اللاحقون؟ أم أريد أن اتفرغ للتقوى والعبادة والطاعة وملازمة البيت والمسجد لان زهرة العمر قد ولت ولم يبق منه سوى جسم عليل نحيل قد يواتيه الاجل المحتوم أية ساعة شاء فيها الرب أن يسترد وديعته؟ أم أكون مهاجرا مسافرا أجول العالم في ما بقي لي من عمر قضيت جله منهكا ذاتي في العمل والتشييد والبناء وآن أوان الراحة والدعة والسكون والسفر؟ أم أكون كذا أو كذا أو كذا؟.
نبهي الى هذا التساؤل لقاء جمعني ببعض الاحبة ممن ترتاح لهم النفس وتلذ العين برؤياهم، فدار هذا التساؤل دروته بيننا هل حققنا ما نريد؟ وماذا كنا نريد وماذا نريد من باقي عمرنا؟ فجاء جوابنا مجمعا على أننا لا ندري فعلا ما نريد.
إن قلت هذا الكلام لكثير من الناس لا سيما للممتهنين لعلوم التنمية الذاتية والادارية وخبراء البرمجة العصبية وغير العصبية فسأتهم بأنني رجل بلا طموح، بلا همة، بلا رؤية، وأعيش بلا هدف، فرجال اليوم ونساؤه لا بد أن يحيون بهدف ولهدف ويجب أن يعرفوا ذلك منذ صغرهم ويرسمون لذلك أهداف ورؤى واستراتيجيات وغيرها من الوسائل التي تساعد على تحديد الاهداف واصابتها اصابة دقيقة.
قد يكون نمط الحياة الحديثة التي نحياها هو سبب رئيسي في عدم مقدرتنا على تحديد ما نريد في هذه الحياة، فنحن نريد كل شىء وبسرعة، نريد أن نعرف الطب والهندسة والعلوم والفلك، نريد أن نعرف علم المتأخرين ونلم بعلوم المتقدمين، نريد أن نكون أغنياء وأن نحضى بالسعادة في ذات الوقت، نريد أن نكون علماء ونريد أن نكون أدباء، نريد أن نكون اليوم هنا في هذا المكان وغدا في ذلك المكان، ننتقل من عمل إلى آخر بسرعة البرق، لا نمتلك الصبر والتأني لفهم الحياة والناس، فنحن خلقنا عجالى في كل شىء.

في عالم اليوم، وصل الكثير منا الى بغيته وغايته ولكنه لا زال يجهل ما يريد، يمتلك كثيرا من مقومات السعادة والرخاء والاستقرار ولكنه لا يدري ما يريد، البعض لا زال في ذات الطريق التي بدأها وهو صغير يسأل نفسه نفس السؤال ماذا أريد؟ آخرون اقتنعوا بأنهم لا يريدون الكثير من هذه الدنيا وهم لن يحووا هذا العالم كله، ولن يحصلوا إلا على جزء مما كتب لهم ففضلوا العيش بهدوء واستقرار وسكينة، لا يزعجون العالم بصراخهم وضجيجهم، ولا يزعجهم العالم بضجيجه وصراخه.


أخذتني سطور هذا المقال وأنا أكتبه الى عوالم مختلفة ذهبت بي الى الماضي وأرجعتني الى حاضري الذي أعيشه اليوم، حاولت من خلاله التعرف على ذاتي وإعادة تعريف ماذا أريد في هذه الحياة، حاولت فهم نفسي والعالم من حولي، حاولت تأمل الانسان وماذا يريد من هذا الكون، ولكنني لم أجد بعد جوابا شافيا ل ماذا أريد وكيف أصل الى ما أريد. 
...
منشور بجريدة عمان 
http://main.omandaily.om/?p=31008http://main.omandaily.om/?p=31008

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع