التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مستشار .. غير مستشار


    مضت على حاله تلك سنوات عدة، يأتي الى عمله كل صباح، يبدأ في تطبيق برنامجه اليومي الذي اعتاد عليه وتآلف معه كما تآلف مع منصبه الجديد، يبدأ صباحه بفنجان قهوة، يلحقها بتصفح صحف الصباح الواحدة تلو الأخرى، حتى أنه من فرط ادمانه عليها بات يعرف كل ما يجري في البلد وخارجه من أحداث وصار وكما يقول المثل صار لا يشق له غبار في الشأن السياسي والاقتصادي، وبعد أن يفرغ من جريدته يلتفت إلى يساره ليكمل تصفح ما تبقى من أخبار الكترونية ليعرج على كل المواقع المحفوظة له في سطح المكتب.
هذا هو حال البعض ولا أقول الكثير من المستشارين اللذين باتت أعدادهم في التكاثر في مؤسساتنا الحكومية وأشباهها، وكأن من أريد له أن يتبوأ هذا المنصب إنما اريد زحزحته عما كان يقوم به من عمل أو كما يقول البعض أريد له التكريم الذي لا يحصل عليه سوى القلة القليلة من المحظوظين.
لفهم طبيعة عمل المستشار، لا بد من توصيف هذه الكلمة التي اشتقت أصلا من الاستشارة وابداء المشورة والمساعدة على اتخاذ الرأي، ولا يمكن أن تمنح هذه الدرجة العالية الرفيعة إلا لمن عرف عنه بأنه ذا رأي سديد وعلم وسيع وخبرة ذات سنين. وفي دول العالم المتقدم لا يصل الى هذه الدرجة من المتشارية إلا من أفنى عمره وشبابه في تحصيل العلم والمعرفة واكتساب خبرات متعددة تؤهله ليكون أهلا للاستشارة، ولعل أكبر درجة للمستشارية في بلاد الغرب أسندت الى رئيس الحكومة فتقديرا له على ما يقوم به من إدارة لشؤون البلاد أطلق عليه لقب المستشار وأعنى به هنا مستشار جمهورية ألمانيا الاتحادية.

ولكن، هل واقع المستشار الشرقي هو ذاته واقع زميله في العالم الغربي؟ قد لا يكون الجواب بنعم، لاننا في عالمنا الشرقي لا نحتاج كثيرا الى مستشارين فكل مسؤول منا لا يستشير سوى نفسه، فهو غني عن آراء مستشاريه ويعرف أكثر مما يعرفون، فآرائهم لا تقدم أو تؤخر كثيرا في اتخاذه لقراره، وإن تمت استشارتهم فهو من باب المجاملة أو من قبيل أن لا يترك ذلك المستشار بدون عمل.
ما ينطبق على وظيفة المستشار ينطبق على كثير من الوظائف الادنى منها، فهنالك مسميات وظيفية قد تم اختلاقها لتناسب من أُريد له أن يكون بلا عمل أو انتهت مدة صلاحية عمله أو لم يحظ بالرضى الوظيفي ممن هو أعلى منه، فالسلم الوظيفي الحكومي لدينا راعى كل ذلك فأفرد بعض الوظائف لمن أريد لهم الراحة والاقصاء والابعاد عن السياسة الجديدة التي ينتهجها القادم الجديد لتلك المؤسسة حتى وإن لم يكن هنالك أية تفصيلات لمهام تلك الوظائف ولا الدور الذي يمكن أن يقوم به شاغلها.
اسائتنا لهذه المناصب جعل من هذه الوظائف وشاغليها عرضة للكثير من الهمز واللمز فهم في نظر الكثيرين بأنهم بلا عمل، وما دام الحال وصل بنا الى هذا الحد فلماذا لا يتم اعادة النظر في سلم الوظائف في القطاع الحكومي ودراسة اختصاصات كل وظيفة والدور المناط بكل موظف وما يقوم به من عمل، على أن لا يتم اسناد القيام بذلك الى هيئة استشارية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع