التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ملحد في زمن التشدد

                   

     قادنا الحديث عن الثورات العربية ومحاولة أسلمتها من قبل بعض قياداتها الى الحديث عن صديقه الملحد الذي بدأ بالمجاهرة بإلحاده في بلد أفتى فيه علمائه المسلمين ببطلان صلاة من أسبل ثوبه فكيف ببطلان إسلام من ناقش بعضا من مسائل العقل التي تخص الدين والتي لا ينبغي لأحد غيرهم الخوض فيها.
صديق صديقي الملحد لم يعجبه الحال الذي وصل اليه المسلمين اليوم من تشرذم وفرقة وطائفية ومذهبية وغيرها من أحوال الدهر الكثيرة التي تكالبت على حاملي آخر رسالة سماوية، مرجعا السبب في ذلك الى بروز طائفة ممن نصب نفسه مرجعا لكل الاسلام والمسلمين في شرق الدنيا وغربها فأفتى بحل دم فلان واراقة دم علان، بصحة إسلام أهل التوحيد وتكفير ملة غيرهم من اخوانهم من المسلمين، بجواز مهادنة هؤلا وشن الحرب على غيرهم من الطوائف المسلمة الكافرة.
هذا الرجل حاله كحال كثير ممن اختار اللادين ليكون دينا له، نابذا كل الاديان والطوائف والاختلافات الدينية والعقدية والمذهبية وراء ظهره، مفضلا العيش الدنيوي بلا دين يأمره بهذا أو ينهاه عن ذاك، يحضه على حب فلان وكره الآخر، يحلل له هذا ويحرم عليه ذاك. هو يتبع عقله وهواه فيما يعتقده ويؤمن به.
بعض المفكرين العرب ذهبوا الى أن دائرة الالحاد في العالم العربي سوف تتسع مع اتساع المد الاسلامي المتشدد الذي بات يحكم عددا من تلك الدول، فهو أي الالحاد أو عدم التدين كما أرجعه هؤلا المفكرون راجع الى ردة فعل عنيفة تجاه الدين والتدين والتشدد الذي بات يمارسه من وصل الى السلطة وحاول من ذات نفسه فرض قوانين وقيم وعادات أطلق عليها مصطلحات دينية أو أطرت بأطر دينية متشددة لم يأت بها الدين من قبل.
يقول هؤلا المفكرون بأن هذه الظاهرة هي ظاهرة طبيعية وسوف تأخذ مجراها ومسارها الطبيعي في العالم الاسلامي ويمكن أن تمتد لسنوات قادمة ولسوف تتنامى بشدة ويتَبعها الكثير من الشباب الذي بدأ في فقدان ثقته في كثير من أهل الدين ممن لم يستطيعوا أن يصلوا بخطابهم الى عقل وفكر الشباب وباتوا وكأنهم يخاطبون جيلا لا يزال يحيا في زمن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، بل ويحضون جيل هذا الزمان على حرب اخوانهم من المسلمين ممن اختلف معهم في فقه أو عقيدة أو رأي سياسي.
يدعم هذا الرأي بعض نظريات علماء الاجتماع ممن ذهبوا الى أن الامة الاسلامية لا بد لها من أن تمر بهذا المنعطف من التناقضات بين الديني واللاديني بين العنف والعنف المضاد حتى تصل الى بر الأمان ويصل أهلها الى درجة من الوعي الحقيقي والادراك للواقع الذي تعيشه والذي ستنطلق منه الى عوالم التقدم والحضارة والرقي واحترام حقوق الفرد والمجتمع وتنحية أمور الدين جانبا للالتفات الى جوانب العلم والمعرفة والتقدم والتطور والبناء الحضاري للامة، وهذا هو عينه ما مرت به أوربا منذ قرون عديدة بعد أن خاضت حروبا طويلة مع القساوسة والرهبان اللذين سيطروا في فترة من فتراتها على عقول وأفكار أهلها وباتوا يصدرون لهم صكوكا للغفران تدخلهم الى جنات الخلد، حتى كتب الله لهم الخلاص من مدعي الدين فاتجهوا الى بناء دولهم بعد أن أيقنوا أنه بالعلم والعمل وحده تبنى الامم والشعوب.
عسى الله أن يعجل لنا بانقضاء أمد هذه الفتنة وأن يعيد الرشد والصواب الى من ضل عنها وأن يقيض لنا من الحكماء والرشداء ممن يعيد الينا رشدنا ويجمعنا ويجعلنا خير أمة أخرجت للناس.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع