التخطي إلى المحتوى الرئيسي

انشر ولك الأجر

في مجتمعنا المؤمن يبحث الناس عن الأجر والثواب من عند الله حتى لو كان بإعادة إرسال رسالة لعدد من المعارف والأصدقاء ، فالإيمان كما قال الرسول الكريم بضع وسبعون شعبة زادت عليها وسائل التواصل الحديث شعبة أخرى وهي " انشر ولك الأجر".
جميلة هي مشاركة الناس فيما نحصل عليه، والأجمل من ذلك أن نتشارك معهم الأجر والثواب " فالدال على الخير كفاعله"، ومن منا في هذه الأيام لا يرغب في أن يزيد من حصيلة حسناته ويضاعفها ويدخر الكثير منها ليوم الدين بل ويزيد عليها أضعافا مضاعفة إن قام هو وثلة من أقرانه بنشر رسالة ظاهرها يحث على التقوى والعمل الصالح وباطنها يدعوك إلى المساهمة في نشر حقائق تكون في أغلب أحيانها مضللة وغير صحيحة.
ارتباط النشر بالأجر والثواب عبارة ليست بالجديدة على مجتمعنا، فمنذ عرفت البشرية اختراع وسائل التواصل الحديث والتي يأتي جهاز الحاسب الآلي في قمة هرمها وليس آخرها الهاتف المحمول اخترعت معها هذه العبارة، وكأنما جاءت هذه الوسائل لتسريع وتيرة حياتنا وكذلك لتسرع وتيرة حصولنا على الأجر والثواب بدلا من قضاء الساعات والأيام في صلاة وصوم وعبادة وغيرها من العبادات، فقط لمسة بسبابتك وتكون قد جمعت ما يعادل أكثر من سبعمائة حسنة (كما يروى) لأن الحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء.
أذكر في نهايات القرن المنصرم عندما غزا الهاتف الخلوي الأرض كان النشر بسيطا لا يتعدى أسلوب المحادثة البسيط ويركز فقط على الأهم فالمهم من الأحداث بسبب ضيق مساحة المنشور وغياب اللهفة عند الناس في تناقل ما يدور وإعلام غيرهم عنه. ولكن بعد برهة من الزمان لم تدم طويلا تطور أمر النشر ليطال الحث على الخير والمبادرة الى العمل الصالح ونشر الدعاء بين الناس وكانت الجمعة أخصب أيام النشر.
في هذا اليوم، اتسعت الدائرة لتشمل نشر كل ما كان يحظر نشره في السابق بسبب غياب عوامل عدة كالمسؤولية الفردية واختفاء كثير من القيم والعادات وقلة الدين وكثرة ما يتداول من منشورات، وربما يكمن السبب الحقيقي في هذه الكثرة هو ضمور العقل وانتفاخ اليد، وإن انتشر هذا الداء في أمة فمن الصعوبة بمكان إرجاع المعادلة الى نصابها الصحيح ليتساوى العقل بالكف في جسم الكائن الحي.
" انشر ولك الأجر" طالت الكثير من القيم وساهمت في تخريب بنى سهر عليها مربون أعواما طويلة. لم يتورع ناشروها عن التشهير والتحريف والتزوير واشاعة الفاحشة والرذيلة في بعض أحيانها وطال الامر كثيرا من الناس ممن كسب أجر ذلك النشر وأثم من نشره، وأصبحت هذه الكلمة كما يقال في المثل العربي " كلمة حق أريد بها باطل".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع