التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مصادرة السمك

        قال مازن: البحر ينضح بناحيتنا فادع الله في ميرتنا وخفنا وظلفنا , فقال عليه الصلاة و السلام :" اللهم وسع عليهم في ميرتهم و أكثر خيرهم من بحرهم"

                                                   من دعاء الرسول عليه السلام لأهل عمان.




لست من أهل البحر حتى أعرف المعاناة التي يعانيها أهله لتوفير لقمة العيش أولا لأولاده وثانيا لنا نحن الجالسون في بيوتنا ننتظر وجبة الغداء الدسمة من الكنعد أو الجيذر أو غيرها من الأسماك التي تسبح في بحارنا، ولكنني سأروي لكم تجربتي الشخصية بعد أن قادتني الظروف في يوم ما إلى إحدى الجرافات المبحرة في بحر العرب.
مالكها من إحدى الجنسيات الآسيوية ويعمل تحت تصريح من شركة الأسماك العمانية، يقول هذا المالك: بدأت حياتي في عمان منذ العام 1980 عندما كنت أعمل كابتين لهذه السفينة إلى أن امتلكتها اليوم وأصبح لدي تسع غيرها كلها لديها تصريح للصيد البحري والتصدير للخارج.
منظر هذه الجرافة أو كما يسميها البعض "الجاروف" مهيب فعلا فهي تسبح في عرض البحر ولا يمكن مقارنتها بباقي السفن التقليدية أو القوارب فهي الحوت الأزرق في البحر لا يضاهيها أي شيء سوى ناقلات النفط العملاقة يقوم في خدمتها طاقم من نفس جنسية مالكها يبلغ عدده أكثر من عشرة أشخاص وتستخدم أحدث التقنيات وأخطرها في صيد واستكشاف الأسماك سواء التي في القاع أو بالقرب منه.

تصادف وجودنا على متن هذا الحوت موعد إلقاء الشباك التي تعمل بشكل آلي بدون تدخل الإنسان اللهم إلا في تحريك الآلة التي تنزل الشبكة، وتستمر السفينة في تحركها إلى أن تمتلئ الشبكة بكل خيرات البحر فيقع فيها كل ما تحت البحر من كائنات بحرية وأسماك وشعاب مرجانية ولهذا السبب أطلق عليها أهل البحر "جرافة" لأنها تجرف كل ما يصادفها.


استغربنا من كمية الأسماك التي استخرجت من بطن ذلك البحر وكانت تضم أنواعا كثيرة أراها لأول مرة في حياتي، حتى الكائنات البحرية المهاجرة إلى عمان طلبا للأمن والأمان مثل السلاحف وقعت في فخ تلك الجرافة.


هذه الجرافة هي سفينة صيد ومصنع للتعليب في وقت واحد فبمجرد أن تخرج الشبكة يبدأ التعليب والتفريغ والتخزين في مصنع السفينة، علما بأن السفينة تقضي فترة شهر كامل وهي سابحة في عرض البحر ولا تعود إلى اليابسة إلا لتصدير شحنتها عبر ميناء السلطان قابوس.


ما نسيت قوله بأن هذه السفينة تقوم بإلقاء شباكها أكثر من عشر مرات في اليوم الواحد ولكم تصور المبلغ الذي يجنيه صياد تقليدي من غلة سمك يوم واحد باستخدام شباك تقليدية لمقارنة ما يجنيه صاحب هذا الحوت في اليوم الواحد من عشر مرات صيد في اليوم.


حصلت على بعض الأرقام المنشورة في الصحف المحلية والتي أشارت الى أن 90 % من الإنتاج السمكي في عمان يأتي من الصيد الحرفي و10% فقط يأتي من الصيد التجاري، وتبلغ مساهمة قطاع الثروة السمكية في الناتج المحلي الاجمالي الى 180الى 200 مليون ريال عماني، وهذه أرقام ونسب تدخل الطمأنينة في النفس، مع تأكيد وزارة الزراعة والثروة السمكية من أن أعداد الجرافات في السلطنة اثتنا عشرة جرافة فقط وقد غادر الكثير منها بلادنا، كما ستمنع هذه الجرافات من الصيد بطريقة الجرف في بحار السلطنة بحلول الخامس من مايو المقبل، إضافة إلى قرار الوزارة منع تصدير بعض أنواع السمك إلى الخارج.


قد لا يكون المنع هو الحل لمشكلة مصادرة السمك ولكن يجب أن تفكر الوزارة في قرارات لا ضرر فيها ولا ضرار على أهل البحر والبر حتى تبقى بركة دعاء الرسول لأهل عمان " اللهم وسع عليهم في ميرتهم و أكثر خيرهم من بحرهم".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع