التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لماذا صحــار؟

  يرجع اسم سلطنة عمان الحالي إلى مجان، وهو اسم يعني باللغة السومرية أرض صناعة السفن وصهر النحاس، وربما كانت صحار هي مجان لاشتهارها بالبحر وصهر النحاس، ولا أدري صحة ما ذهب إليه البعض من أن صحار هي من أعطى لعمان أسمها الأول، وهي أول مدينة يدخلها الإسلام طواعية حينما كان يحكمها عبد وجيفر ابني الجلندى ابن المستكبر اللذان استقبلا عمرو بن العاص رسول رسول الله عليه السلام في العام 630 للميلاد، حيث رحبا به ودخلا هما وأهل عمان قاطبة إلى الإسلام طواعية وبدون عنف أو قتال، وقد أقر الرسول عليه السلام حكم آل الجلندى على صحار واعتبرها عاصمة عمان.

الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي وهو مؤسس الأسرة البوسعيدية، كان واليا على صحار عندما تم انتخابه إماما على عمان في العام 1624 ميلادية وبدأ من ولايته تلك في طرد الفرس لينطلق بعدها إلى باقي المناطق محررا إياها من حكم الفرس وموحدا عمان تحت راية واحدة.


إذا هذه هي صحار نفسها التي تشهد في أيامنا هذه اضطرابات واعتصامات واحتجاجات وسجالات كبيرة بين الجيش وعدد من المحتجين الغاضبين على قرار الادعاء العام اعتقال بعض أبناء هذه الولاية والتحقيق معهم بعد أن قاموا كما جاء في بيان للادعاء العام -بأعمال الهدم والتخريب في المرافق والمنشآت العامة والخاصة ، وإقدامهم على إقلاق الراحة العامة أو الطمأنينة وسد الطرق العامة-، وكما هو متوقع فقد حدثت مناوشات جديدة بين قوى الأمن وأفراد الشعب وراح ضحية هذه المناوشات ضحية جديدة تضاف إلى قائمة الضحية الأولى التي انتقلت إلى رحمة الله ويمكن أن يتبعها ضحايا آخرون في حال ما تم إغلاق هذه القائمة.

لماذا صحار يحدث فيها مثل هذا العنف ولا نراه في محافظات أو ولايات أخرى في السلطنة علما بأن حق التظاهر والاعتصام السلمي مكفول للجميع ونص عليه القانون ولا يستطيع أيا من كان أن يمنع متظاهر أو معتصم من المطالبة بحقه سواء أكان هذا الحق شخصيا أو يتعلق ببعض أمور الدولة، هل لأن صحار بدأت في إخراج التظاهر من إطاره الحضاري الجميل المتمثل في اعتصام مجموعة من المطالبين بالحقوق في مكان لا يؤدي إلى إقلال راحة المواطنين – كما قال الادعاء العام- وبدأت مجموعات من المتظاهرين في تعطيل مصالح المجتمع، أم أن التظاهر في صحار أخذ منحى جديدا بات يهدد ويقض مضجع الدولة خشية تطوره إلى أحداث أخرى قد يتمادى فيها المحتجون؟ أم أن مطالب المحتجين باتت كثيرة على الدولة وكما يقول المثل " عطيناه باع خذ ذراع" فقررت وأد وإخماد هذه التظاهرات؟ أم أنها هي سنة كونية دائما ما تكون لصحار فيها قصب السبق وهي التي سماها ابن بطوطة قصبة عمان.


لنرجع الى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أكبر في أهل عمان اعتناقهم للاسلام طواعية وبدون عنف أو حرب أو قتال وإكرام لهم فقد دعا لهم بدعوات كثيرة منها " اللهم لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم". صدقت يا رسول الله.

كلمة أخيرة: من السهل جدا إخماد ثورة الشارع ولكن من الصعوبة جدا إخماد ثورة النفس.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع