التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من يراقب الحكومة؟

   

       الازمة السياسية – إن جاز لي وصفها بهذا- والتي هبت على بلادنا هي وقبل كل شىء لا بد أن نؤمن بأنها خير لنا ولبلادنا وهي مقدرة من عند مقدر الاشياء الذي يقول " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"، وهي وكما قلت لبعض المقربين بأنها رسائل إلهية يسوقها لنا الله كي نفيق من غفلتنا وننتبه الى أنفسنا لاننا وفي رأي الشخصي تمادينا كثيرا في انتهاك ما نهانا الله عنه.


لا أطيل عليكم بكل هذه الفلسفة، فما أردت الوصول اليه أن الازمة السياسية التي هبت علينا كشفت عن وجود هوة وقد تكون هذه الهوة كبيرة بين الحكومة والشعب، فالحكومة كانت ومع وجود القوانين الرادعة والتشريعات الصارمة في أجهزتها الا أن هذه القوانين والتشريعات كانت محفوظة في الثلاجة ومجمدة برغبة من بعض من يعنيهم أمر هذه القوانين، فباتت كثير من أمور الشعب والتي يفترض بالحكومة أن تكون الحارس عليها وتصونها، باتت مشرعة وأضحت الحكومة تعمل بالقانون الذي تريد وتترك القانون الذي لا تريد، تعطل التشريع الذي تريد وتفًعل التشريع الذي تريد.

ومع استمرار الحكومة في عدم مراقبة نفسها بنفسها بسبب غياب سلطات أو جهات رقابة فاعلة سواء من الجهات التشريعية أو الجهات التنفيذية أو الجهات الرقابية أو حتى من جهات المجتمع المدني نفسه، أصبح المواطن ضائعا امام الحكومة يتردد على مكاتبها وأقسامها بدون أن يجني أي فائدة تذكر ولا يسمع الا التسويف والوعيد وتعمل الحكومة ما تراه هي بأنه في مصلحة الوطن والمواطن.


كما قلت سلفا نتج عن هذا هوة واسعة بين المواطن والحكومة تمثلت صورتها في الاعتصامات التي عمت البلاد بأسرها الكل يطالب بحقه من الحكومة والكل يقف على أبوابها يريد أخذ حقه – كما يقول الشعب- والجميع مجمع على مقوله بأن الاصلاح لا بد أن يبدأ من الحكومة وينتهي بها.


يثار هنا تساؤل حقيقي هو هل هنالك رقابة حقيقية على الحكومة نفسها؟ سواء من مؤسسات المجتمع المدني كالجمعيات الاهلية والنقابات والمجالس البلدية وغيرها من مؤسسات هذا المجتمع؟ وفوق هذا كله هل تراقب المؤسسات التشريعية مثل مجلسي الشورى والدولة أداء الحكومة؟ وهل أيضا تقوم الجهات الرقابية في الحكومة نفسها بمراقبة أداء الحكومة؟ قد تأتي الاجابة قريبا على هذه التساؤلات بعدما تنتهي اللجنة الفنية التي تشكلت بأمر سلطاني لوضع مشروع تعديل للنظام الاساسي للدولة وبعد الصلاحيات التشريعية والرقابية الممنوحة لمجلس عمان.


ولكن، هل يعتبر ما سبق كافيا لتقييم أداء الحكومة ومراقبتها؟ أم أننا بحاجة إلى أكثر من ذلك وكما يذهب البعض من أننا بحاجة الى أحزاب " معارضة" وأضعها بين قوسين لمحاسبة الحكومة؟ أم أننا بحاجة الى "حكومة ظل" كما تفعل بعض الانظمة الغير عربية طبعا لتقييم أداء الحكومة فيكون لكل وزير في الحكومة مقابل له وزير ظل يراقب ما تقوم به الحكومة وما يقوم به وزير تلك الوزارة ويتم محاسبته؟ أم أننا بحاجة الى مزيد من الحرية لمؤسسات المجتمع المدني ولوسائل الاعلام لطرح الكثير من التساؤلات عن أداء الحكومة؟

كثير ممن يقرأون هذه السطور سيقولون قبل اتمامها " هذا الكاتب شكله يحلم" نحن لنا تجربتنا الخاصة بنا كعمان ولا نطبق ما يطبقه الاخرون. وقد يكون هذا الكلام صحيحا جدا ولكن تبقى أنظمة الحكم على هذه الارض التي خلقها الله للبشرية جممعاء متساوية وعلينا أن نحصن أنفسنا وبلادنا من أية أعاصير قادمة من بلاد بعيدة قد تخلف ورائها دمارا كبيرا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع