التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من يكافح الفساد؟ الحكومة أم الشعب

   يذكرني ما يجري حاليا في عماننا الحبيبة بفيلم مصري اسمه " عاوز حقي" من بطولة الفنان هاني رمزي وتدور أحداثه حول مطالبة بطل الفيلم للحكومة بحقه فيها بعد أن قرأ في الدستور بأنه يحق له المطالبة بحقه في الملكية العامة وأنه هو أحق بمال الحكومة حاله حال أي مواطن يعيش في تلك البقعة من الأرض.


أجزم أن كاتب سيناريو وقصة هذا الفيلم عندما كتبها لم يكن يدور بخلده ولا بتفكيره بأن الشعب قد يطالب في يوم من الأيام بحقه ونصيبه من عائدات الدولة ويقاضي الحكومة على كل قرش تصرفه على نفسها أو على المواطن نفسه، بل وأنه قد يصل به الأمر إلى كشف الفساد الحاصل في الحكومة.


ما يحدث في عماننا الحبيبة اليوم ما هو إلا سيناريو متكرر ليس في الفيلم موضوع حديثنا ولكن في دول سبقتنا إليه، فالمواطن في دول مثل تونس ومصر وغيرها من البلاد العربية صار مطالبا بأن يعرف أو يعرف أين تصرف الحكومة أموال الشعب وكيف تصرفها ومن يصرفها؟ وهل يحق لمن استحوذ عليها أن يمتلكها أو يتصرف بها كمال خاص به أم أن عليه إرجاعها لخزينة الشعب؟ وهل على الحكومة محاسبة ومعاقبة ومحاكمة من تسبب في سرقة أو إهدار المال العام وجلبه إلى يد العدالة أم أنه يمكنه التنعم بما جنى من أموال الشعب ويذهب بها مع منصبه الذي ذهب معه؟


كلها استفهامات لم يصل من سبقتنا إليها ولا نحن بعد إلى إجابات مقنعة لها.


يثير حيرتي ما ينشر كل يوم في المدونات الالكترونية الشخصية ومواقع التواصل الاجتماعي من موضوعات أطلق عليها أصاحبها بأنها كشفا للفساد أو طرد لبعض رموز الفساد من مؤسسات الدولة أو الكشف عن وثائق -أغلبها حكومي- تكشف الفساد المستشري في البلاد سواء أكان فسادا ماديا أو إداريا والمطالبة بمحاسبة من قاموا أو تورطوا في القيام بعمل من هذه الأعمال.


يثير هذا الفعل في النفس تساؤل هو أين هي الدولة من كل هذا؟ وهي التي لديها كل مؤسسات كشف الفساد والرقابة والادعاء العام والشرطة والتدقيق و.. و.. و.. ولماذا الدولة أو الحكومة تقف اليوم موقف المتفرج من كل ما يجري حولها وتترك هذه الفرصة للمواطن أو لنقل للشعب، هل لان الحكومة نفسها بدأ ينخر فيها الفساد ولا ترغب في أن تفضح نفسها بنفسها؟ أم أن مؤسسات كشف الفساد لا تملك هذه الوثائق؟ أم أن الأمر في المرحلة الراهنة قد يكون لا يعنيها؟ وتفضل أن تلوذ بالصمت حتى يعود الهدوء والاستقرار إلى البلاد؟ أم .. أم


وعلى الجانب الآخر.. لماذا قام ويقوم مجموعة من أفراد هذا الشعب بنشر بعض من هذه الوثائق التي يصنف البعض منها بأنها سري للغاية وهي تصنف بأنها لا تقل أهمية في الوقت الراهن عن وثائق ويكيليكس وقاموا كذلك -كما يقولون في مدوناتهم- بطرد رموز الفساد في الدولة أو بالتظاهر ضد هذه الرموز بغية إسقاطها من كراسيها.


يا ترى ما هو الدافع الذي يحمل فرد غير محمي لا من قبل القانون ولا من قبل أعوان أو أتباع له بنشر كل هذا على شبكة الانترنيت وجعله متاحا للجميع وهو بذلك يخاطر بأسمه وسمعته وبحياته أيضا ويخاطر أيضا بملاحقته قضائيا من قبل من نشر ضده. هل يا ترى الهدف من ذلك كما حمل عنوان الفيلم السابق الذكر من أنه "عاوز حقي" وأن أسهل طريقة للمطالبة بهذا الحق هو النشر الالكتروني وفضح المتسبب في الفساد على الملأ بدون الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء لأنه وكما يقول المثل المصري " آخد حقي بذراعي" أم أنها هي حالة من التشفي من كل مسؤول حكومي مارس هو أو من قبله ممارسات تدل على فساد إداري ومالي ومارس كذلك تعتيم وإظلام كامل على كل ما يتعلق بوزارته وجاء هذا اليوم الذي وجد فيه هذا المواطن الفرصة لتصفية حسابه مع هذا المسؤول، أم أن السبب وراء كل ذلك هو كما يقول الجميع بأن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.


أعجبني شعار رفعته إحدى الاعتصامات حمَلت فيه وسائل الإعلام مسؤولية ما يجري على أرض الوطن، يقول هذا الشعار " صمت الإعلام شجع على الفساد" وشخصيا أميل إلى تبني هذا الشعار لان ما جرى من مؤامرات اشتركت فيها وسائل الإعلام ساهم بشكل كبير في اتساع هوة الفساد في الأرض وجعلت المواطن يغرق في وهم بأننا "خير أمة أخرجت للناس" وان المواطن في بلادنا يعيش حياة الرخاء والاطمئنان وغيرها من الشعارات الإعلامية التي روجت لها وسائل الإعلام التي تناست دورها الأول وهو الإعلام أو الإخبار عن كل ما يجري على الأرض سواء أكان بالإيجاب أم بالسلب.


كلمة أخيرة: لنا في الثورة المصرية خير مثال في أنها نجت في إحداث التغيير في المجتمع ونجحت وباقتدار من إدخال الإصلاحات إلى بلادها وتعديل الكثير من المفاهيم المغلوطة عن المواطن المصري وبلاده، وهذا ما نحن بحاجة إليه...

تعليقات

‏قال ليلي مسقط
شكرا لك استمر في التودين

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع