التخطي إلى المحتوى الرئيسي

البقاء في البيت أفضل

شخصيا، أنا من أنصار هذه المقولة، بل ومن المدافعين عنها بشدة وضراوة، فلا يستهويني البقاء خارج البيت لساعات طويلة سيما وأن المغريات التي بالخارج ليست بتلك القوة التي تدفع الشخص للمكوث طويلا خارج أسوار البيت الأسري، وإذا ما أضفنا على ذلك الساعات الطوال التي نقضيها في شوارع مزدحمة واختناقات مرورية فإن البقاء في البيت أفضل.

ولكن يبقى السؤال، لماذا البقاء في البيت؟
نسمع ونردد عبارة بأن هذا الشخص "بيتوتي" أي أنه يفضل البقاء في بيته عوضا عن الخروج، فقد يجد فيه راحته وسعادته، ولكن في المقابل فإن الكثير من الناس يفضل البقاء في الخارج عن العودة إلى البيت لاسيما من رزقه الله زوجة -كما يقولون- تنكد عليه عيشته أو زوجة رزقها الله زوجا ينكد عليها عيشتها عندما يكون داخل البيت، فتتمنى أن يكون في كل وقته خارج البيت، لتبقى مملكتها لها بفردها سعيدة بحكمها من دون مشارك لها.
تتعدد وتتنوع أساليب فهم مصطلح (البقاء في البيت أفضل)، فمنهم من ينظر له من جانب ديني ليقول بأن المرأة بقائها في بيتها أفضل من خروجها بسبب الفتنة، فلو خرجت المرأة من خدرها فقد وقعت الفتنه، معتبرا أن البيت هو المكان الحصين للمرأة ولا يجب أن تخرج منه لأي مكان آخر كالعمل والتسوق.
حتى المرأة نفسها فضلت البقاء في منزلها عن الخروج، حيث أشارت بعض الإحصائيات إلى أن المرأة بدأت تتجه إلى العمل من داخل بيتها عن الخروج عنه، لاسيما وأن هنالك الكثير من الأعمال التي يمكن اليوم إنجازها من المنزل.
وهنالك من ينظر إلى أن البقاء في البيت أفضل من الخروج بسبب الطمأنينة التي يلقاها داخل أسواره والمحبة والمودة التي تنتشر بين أفراد الأسرة عندما تجتمع داخله، فالجو داخل البيت يعنى الاطمئنان والأمان والراحة النفسية والسعادة لرب الأسرة ولكل عضو فيها ابتداء من الصغير وانتهاء بالكبير. وفي المقابل تنتفي هذه السعادة لو بقى كل عضو في هذه الأسرة بعيدا عن أسوار البيت فإن الأمان والاطمئنان يغيب تدريجيا عن الأسرة لو بقي أفرادها خارج البيت.

هنالك فريق آخر يفضل البقاء في البيت عن المكوث خارجه، فهو يقضي وقته في مشاهدة التلفاز وتصفح الانترنت والقراءة والمذاكرة. فهذا الفريق يفضل مخاطبة آلات صماء داخل البيت حيث يجد معها المتعة والراحة والسعادة التي ينشدها أكثر من وجوده مع بني البشر الذين لن يستطيعوا فهمه أكثر من آلاته الصماء التي يلجأ إليها كل ساعة. فهذا الفريق من الناس حتى وإن كان موجودا داخل البيت جسديا لكنه غائب عنه روحيا، فهو يتساوى في ذلك مع من كان خارج الأسوار.

تبقى مسألة البقاء داخل البيت أفضل أم خارجه نسبية أمام البشر، فهناك من هو خارج بيته وبعيد عنه آلاف الكيلومترات لكنه موجود فيه بقلبه، وفي المقابل هنالك من لا يبرح بيته أبدا وموجود فيه بدنيا لكنه بعيد عنه ذهنيا.

ونتمنى أن يستمع من يعنيه الأمر إلى فيروز عندما شدت يوما (خليك بالبيت هلق حبيت رح كون وحيدي. وحدي فليت الله يخليك خليك بالبيت خليك خليك بالبيت).

تعليقات

‏قال dana
شكرا على هذا الموضوع و هو بالفعل ينطبق علي فانا احب البقاء في المنزل كثيرا و لا احب التنازل عن الامان الذي يسببه المكوث في المنزل فاتجنب حتى الخروج الى الدكان او المشي و شم الهوا و لكن اشعر انني ابالغ و ان المكوث في المنزل اصبح مرضي الله بعين

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع