التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحرب في زمن السوشيل ميديا

                       


           خلال مسيرتي في العمل الاعلامي والتي ابتدأت قبل أكثر من عقدين ونيف من الزمان كنت شاهدا على العديد من الحروب التي تدور رحاها في انحاء العالم المختلف سواء الفقير منه والغني بمختلف الاسباب والمسببات والدوافع والنتائج التي تفضي اليها تلك الحروب وما تخلفه من كوارث طبيعية وانسانية على البشر اللذين يقعون ضحايا في خلافات لا ناقة لهم فيها ولا جمل كما يقول المثل العربي.

غير أن الحرب الاخيرة التي تشنها روسيا على أوكرانيا وما يصاحبها من ملابسات تعود بالمرء الى حقبة الحرب الباردة وحروب الاتحاد السوفيتي السابق وجمهورياته المنفصلة عنه تختلف عن باقي الحروب التي شهدتها البشرية في كل تاريخها فكما أن الحياة تتطور في اشكالها والوانها فأيضا الحروب تتطور وتتشكل وتتنوع في تقنياتها وتكتيكاتها وحروبها النفسية والدعائية اضافة الى دخول لاعب جديد في هذه الحرب هي الحرب التي تجري وقائعها على ساحات السوشيل ميديا ووسائل التواصل الاجتماعي وما يرافق هذه الحرب من تدليس وخداع وتززيف للحقائق من جانب ونقل لوقائع هذه الحرب من وجهة نظر شخصية واظهار الحقائق كما تحدث تماما على أرض الواقع تجعل المتابع لتطورات الوضع في هذه الحرب على المحك وقد تلبس عليه الكثير من الحقائق وتنطلي عليه الكثير من الاكاذيب.

لن اتطرق في هذه الزاوية الى تفاصيل الحرب الروسية الاوكرانية ليس حيادا مني في تغليب كفة على أخرى كما تقتضي المهنية الصحفية، لكنني ارغب في التركيز على الحروب التي يشهدها العالم وتطوراتها المتسارعة وطرق نقل الاخبار والمعلومات من ساحات وميادين القتال الى القارىء والمستمع والمشاهد والان الى الحامل هاتفه النقال يشاهد الحرب ساعة بساعة.

لعل ربانة العمل الصحفي يشيرون الى حرب تحرير الكويت او باتت تعرف بعاصفة الصحراء بأنها أول حرب إعلامية متلفزة استخدمت فيها أحدث اجهزة الاقمار الاصطناعية لبث ما يجري من احداث الحرب ساعة بساعة واستطاع الناس في منازلهم في جميع انحاء العالم من مشاهدة الصور الحية للصوايخ الموجهة من السماء وهي تصيب اهدافها ومعدات الرؤية الليلة وهي ترصد تحركات العدو وغيرها من التقنيات التي لم تكن متاحة قبل هذه الحرب للجمهور أن يتابعها أو يشاهدها لحظة بلحظة.

غير أن هذه التغطية المباشرة للحرب وما تلاها من تغطيات مماثلة لحروب اخرى جرت في ارجاء مختلفة من العالم كالحرب الاهلية الرواندنية وحروب القرن الافريقي والحرب في الصومال والسودان وافغانستان وفي البوسنة والهرسك وحرب كوسوفو وحرب العراق الثانية وغيرها من الحروب الكثيرة التي حدثت بعد العام 1991 حتى هجمات الحادي عشر من سبتمبر تصنف على أنها حروب تنقل وجهة نظر واحدة هي غالبا وجهة نظر من يتحكم في الحرب ومن يمتلك الآلة الاعلامية القوية التي تستطيع أن تؤثر على الجماهير أو بعبارة اخرى كما نسيمها نحن الاعلاميون بالتدفق الاخباري من الشمال الغني الى الجنوب الفقير ممن يملك ترسانة واسعة وجيشا من الصحفيين بامكانه دخول ساحات الحرب والمعارك لنقل وجهة نظره ومن زاويته للتأثير على سير المعارك ونتائجها.

بالعودة الى هذه الحرب الاخيرة الحرب الروسية الاوكرانية ولماذا تعد حربا مختلفة وحربا منفصلة عن باقي الحروب التي سبقتها ولماذا يمكن اعتبارها بأنها حرب تأخذ منعطفا جديدا في سلسة الحروب البشرية، فكما قلت سابقا فهذه الحرب تعد تجربة حقيقية لوسائل التواصل الاجتماعي وروادها في التأثير سواء الايجابي او السلبي على المتلقي الجالس وكيف يمكن ان تؤثر وسائل التواصل هذه على سير العمليات الارضية في المعركة المحتدمة بين الطرفين وما  يرافق التدوين الاجتماعي من ارض الواقع على تغيير الجمهور لآرائهم وسلوكياتهم تجاه الحرب.

شهدت شخصيا على بعض الصور ومقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل وبعض الاخبار المفبركة التي تدعي بأنها من الحرب الميدانية في اوكرانيا وتبين لاحقا بأن تلك الصور والفيديوهات لا تمت الى الواقع بصلة وانما هي صور قديمة من مناسبات وحروب مختلفة تم تجميعها لاقناع المتلقي بأنها صور من ارض الواقع.

الطرفان الروسي والاوكراني وبمساندة من اطراف خارجية دخلوا على خط التماس في لعبة وسائل التواصل ونشبت حرب أخرى موازية للحرب الحقيقية وان كانت تجري وقائعها على شاشات الجوال الا أن أثرها لا يقل فتكا عن أثر الحرب الميدانية وربما يتطلب الامر هذه المرة جهدا أكبر من الصحافة والاعلام في التبين من صحة الاخبار وعدمها أولا وثانيا من الوقوف على الحقائق التي تحدث على الارض من دون الانحياز لطرف دون آخر، إلا أن المهمة هذه المرة تبدو معقدة أكثر من باقي الحروب فاللاعبون والمتحاربون فيها كثر عددهم وتنوعت مصالحهم وصار تبيان الحقيقة أصعب مما كان في السابق.

  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع