التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حلوى و متاي




عرفت البحرين حتى قبل أن أعرف مسقط، الآيبون من غربتهم في قريتنا أطلقوا اسم البحرين على السكة التي نسكنها في حارتنا القديمة فصارت البحرين بمثابة البيت والحضن الذي نأوي إليه كل يوم، كبرت وعرفت أن البحرين شقيقة لنا وأن من رحلوا إليها لطلب الرزق من الأوائل عادوا محملين بكثير من الذكريات الجميلة فأصروا على تخليد ذكرياتهم في حارتهم، وعرفت أيضا أن البحرين ما هي إلا اسم اشتق من نضوح البحر المالح في نواحيها الأربع وأن اليابسة والماء يطفوان على بحر من المياه العذبة.
عرفت أيضا أن تاريخ البحرين أقدم من تاريخ حارتنا بسنين مديدة، فدلمون القديمة أشارت إليها نصوص سومرية تعود إلى نهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد واصفة إياها بأنها «مركز تجاري مزدهر وحيوي بالنسبة للاقتصاد السومري»، مثل النص السومري القديم الذي كتب قبالة بئر «إنكي» داخل قلعة البحرين يتحدث عن أن هذا البئر هو هبة الماء إلى أرض دلمون..
دع الشمس تأتي بالمياه العذبة من الأرض.
دع دلمون تشرب المياه الوفيرة.
دع ينابيعها تصبح ينابيع المياه العذبة.
دلمون، تايلوس، أرادوس، أوال كلها أسماء تسمت بها البحرين قديما ولا يزال بعض من هذه الأسماء ماثل أمام عين الزائر حيث تحمل بعض معالمها الحضارية هذه الأسماء لتذكر كل من زارها بتاريخ هذه الجزيرة التي تعد أصغر دولة عربية من حيث المساحة حيث تبلغ مساحتها أكثر بقليل من سبعمائة وخمسين كيلو مترا وعدد جزرها ثلاث وثلاثون جزيرة أكبرها جزيرة البحرين.
زرت البحرين مرارا لكن لهذه الزيارة طعم آخر فقد كانت بصحبة من أحب. لم يكن لي من بديل وأنا أقف قبالة شاطئ البحر سوى التعرف عن قرب على أحفاد هذا الإنسان الذي روض البحر الهادر وشق أمواجه ليصله إلى العالم الآخر القصي حاملا معه لؤلؤه ومرجانه ودرره، وآيبا من رحلاته تلك محملا بأنواع البخور والتوابل؛ هكذا هو ديدن البحريني إلى يومنا هذا.
اقتربت من الإنسان البسيط في السوق والمحل التجاري والفندق وسائق الأجرة كلهم بسطاء متواضعون يكنون احتراما وتبجيلا لنا نحن العمانيين ولا ينسون أبدا كيف تشاركنا العيش معهم في بلادهم قبل عقدين أو ثلاثة من الزمان، بل ويحفظون كثيرا من القصص العمانية التي كان الراحلون يقصونها عليهم ويحفظون عن ظهر قلب تفاصيل الأمكنة العمانية.
من سوق باب البحرين الأثري الذي هو امتداد لتراث «سوق المنامة» كانت أولى جولاتنا، عبق الماضي يفوح من هذا المكان، حكايات التراث الشعبي يتردد صداها في هذا السوق، إرث لا يزال حاضرا حتى الساعة يمكن معاينته، أسواق تقليدية، حرف يدوية، أزياء وحلي نسائية محلية ومقاه شعبية منتشرة في كل ركن من السوق.
لفت انتباهي أثناء تجوالي في هذا السوق ممر ضيق بين محلات تجارية قام صاحبه باستغلاله ليكون بمثابة متحف صغير لتاريخ البحرين أطلق عليه «سوق المنامة القديم» يحوي صورا قديمة يعود بعضها إلى ثلاثينيات القرن الماضي. قال لي صاحب الفكرة حسن الملك إنه وجد في هذا المكان فسحة ليعرض فيها مقتنياته من أرشيف الصور التي يحتفظ بها ولتكون متاحة لمن يزور البحرين أن يتعرف عليها وعلى تاريخها من خلال الصور؛ أهداني تكرما منه صورة لجلالة السلطان قابوس مع أخيه سمو أمير البحرين الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة وأخرى لجلالته مع أخيه الملك حمد بن عيسى.
أكملنا جولتنا في أسواق البحرين التقليدية إلى سوق القيصرية وهو أحد أقدم أجزاء سوق المحرق الشعبي قامت وزارة الثقافة بتجديده ويضم بين جنباته مجموعة من المحلات التي تبيع المنتجات والسلع التقليدية والتوابل والشاي والقهوة ومجموعة من المقاهي الشعبية فضلا عن أنه يمكن شراء اللؤلؤ الطبيعي الذي تشتهر به البحرين من هذا السوق.
الخروج من هذه الأسواق التقليدية لا يتم إلا بتذوق الحلوى البحرينية التي نتقاسم صنعها نحن العمانيين مع أهل هذه البلاد، وكما يرجع أهل هذه الصنعة أصل حلواهم إلى جزيرة زنجبار كما يقول الحاج عبدالله إبراهيم شويطر في لقاء صحفي فإنني أميل إلى أن أصل الحلوى في زنجبار هو من عمان وبالتالي فإن حلوى البحرين تتشابه إلى حد كبير مع حلوانا العمانية وإن كانت تختلف عنها قليلا في اللون والطعم. جربنا كل أنواع الحلوى واشترينا كميات منها ولم ننس أيضا شراء المتاي البحريني وقفلنا راجعين إلى حضن الوطن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع