التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قم للمغرد




ساكنو مواقع التواصل الاجتماعي في ازياد مستمر، كل يوم تطلع علينا فيه الشمس نفاجأ فيه بساكن جديد قد قطن في حي من أحياء هذه المواقع واستوطن فيها وضرب وتدا في أرضها ، فصار يعرج على أراض أخرى مجاورة عله يحظى فيها بقبول ويجد صدى وترحيبا لتغريداته إن وافقت هوى من قصد.
من لم يجرب الاقامة في بيوت وغرف هذه المواقع اليوم فسيجذبه اغرائها غدا ويمكن أن يعتاد عليها أو أن يدمن الاقامة فيها من دون تفكير للرحيل عنها أو مفارقتها لارض أخرى، فهي أرض خصبة بكلماتها القليلة وصورها البراقة وفيديوهاتها المتقنة الصنع ومعلوماتها السريعة الطبخ السريعة الانتهاء والعطب والفساد، ومن اعتاد على جوار بعض مشاهير ونجوم هذه المواقع فمن الصعب عليه مفارقة هذه الجيرة الطيبة التي تأتيك كل يوم بالاخبار والانباء من كل حدب وصوب.
هؤلا النجوم والمشاهير فاقت شهرتهم أرض اللاواقع الى أرض الواقع فخرجوا على استحياء من قماقمهم المشبعة بالظلمة الى أرض النور والضياء فوجدوا لهم تقديرا وترحيبا يعادل ويوازي الترحيب والتقدير الذي ألفوه وعاشوه في عالمهم الافتراضي أو عالمهم الخيالي الخالي من البشر الحقيقيين ذو اللحم والدم، فانبهروا بهذا الترحاب والتصفيق الحاد على ما يقومون به من عمل وإن بدى في نظرهم هم بأنه ليس سوى نوع من التنفيس أو التسلية أو العبث أو قتل وقت الفراغ أو كما عده بعضهم بأنه تنوير وتعليم وعلم ومعرفة فصار حالهم مع من احتفى بهم كحال من وصفه أمير الشعراء أحمد شوقي منذ أكثر من نصف قرن من الزمان بأنهم من يجب أن نقف له ونوفه التجيل.
هذا زمان المغردين والفيسبوكيين والانستغراميين والسنابيين والفاشنستيين وقس على كلامي هذا ما شئت من مصطلحات حديثة لم يقم بعد مجمع اللغة العربية بتعريبها لانه في اعتقادي لن يجد لها مرادفات ليس عجزا في اللغة وانما هي مصطلحات تبنى وتندثر في أيام معدودات ومن غير الملائم أن يزعج المجمع نفسه بتعريبها. هذا هو زمان هذه الامم من الناس القادمة من أرض الخيال الى أرض الواقع فوجدت فيها الاحتفاء والتبجيل، يخبرني صديق على لسان صديقه بأنه أيقن أن لا أمل في نجاح ابنه في تعليمه ومن الصعب حصوله على شهادة علمية جيدة لكنه متفائل من أن هذا الابن سوف يشق طريقه نحو الشهرة خصوصا أنه يجني الان مبلغ يقاس بصفرين خلفه وهو لا يزال طالبا فكيف ان تخرج وتفرغ للبزنس الجديد الذي بات يستهوي ويستقطب كثير من المخلوقات في عالم اللاواقع.
ما استوقفتي في اجلال وتعظيم هذه الفئة من الشخصوص الافتراضيين هو احتفاء بعض الشركات بهم وتقديمهم في المجالس على غيرهم وخطب ودهم والتقرب اليهم وتقديم كثير من القرابين والهدايا لهم لكسب ودهم والتقرب اليهم والتفكير في الابتعاد عن نقدهم وتوجيه التهم لهم وأيضا لاغوائهم للحديث عن شركاتهم ومنجزاتهم التي حققوقها وللترويج عن بضاعتهم مع من يتبعهم في تلك العوالم الافتراضية، وكأن رضا الناس صار مقرونا برضى هذه الفئة من البشر.
ما يحسب لهذه المواقع أولا ولمستخدميها ثانيا أنها فرضت نفسها كخيار وبديل آخر على أرض الواقع غير البديل التقليدي الذي ألفه الناس في حياتهم العامة، وأيضا يحسب لهم أنهم استطاعوا فرض أنفسهم كخيار لا بد من اللجوء اليه لخطاب فئة من المجتمع لا تعرف لغة غير اللغة التي يتحدثها المحتفى بهم لانهم الاقدر والاجدر على توصيل هذا الخطاب من غيرهم من البشر الحقيقيين ممن لم يستطيعوا الولوج الى التكوين العقلي والجسدي لفئات من المجتمع البشري.
كم من الوقت سنقضيه في تبجيل هؤلا قبل أن يأفل نجمهم ويأتي آخرون بهيئات أخرى يحلون محلهم وينالوا نفس الاحترام والتبجيل ونقف لهم اجلالا وتعظيما كما وقفنا في يوم من الايام إجلالا وتقديرا للمعلم مثلما أخبرنا بذلك أمير الشعراء.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع