التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ولا يزالون مختلفين



التعدد والاختلاف سمة تميز الكون الذي نعيشه وتتجلى هذه التعددية فيما خلقه الله من أكوان وكائنات تختلف في عملها وتتسق في كيانها وصيروتها، وباستثناء خالق الوجود من العدم وهو الواحد الاحد فإن ما عداه مختلف ومتعدد في إطار من الوحدة والتنوع تنسجم وتتناغم في هذا الكون الواسع الذي تتشارك فيه كل المخلوقات.
فالاختلاف والتنوع أراده الله منذ الازل منذ أن أذن للحياة أن تقوم في الارض، فالجنس البشري يختلف ويتعدد الى أمم وأعراق وملل ونحل وألسن وطوائف لكنه اختلاف في اطار وحدة الجنس البشري الذي خلقه الله من تراب ولحم ودم ويتقاسم أفراده استحقاقهم التمتع بكل ما خلق الله من نعم في السماء والارض من شمس وقمر ونجوم وهواء وماء التي هي في وحدتها اختلاف أيضا لكنه اختلاف منظم مسير بسنن الكون.
 وكما نلمس الاختلاف في الجنس البشري فإننا نعايشه ونشاهده في ممالك الحيوان والنبات التي تتعدد أشكالها وألوانها وأوصافها وأحجامها كل ذلك في إطار وحدة المملكة الحيوانية والنباتية التي تجتمع وتتشارك هي الاخرى في قواسم تجمعها بكل ما خلق الله في الحياة من نعم بما في ذلك الانسان نفسه.
كل ما في الكون بوحدته واختلافه يمشي بتناغم جميل لا يتداخل فيه شىء على حساب الآخر فالكل يمشي لمستقر له لا يتسبب في تصادم أو تصارع أو تداخل أو تشابك إلا ما تقدره المشيئة الالهية، إلا الانسان الذي منذ أن خلقه الله واستخلفه في هذه الارض فهو على خلاف دائم مع أخيه، ولعل هذا الاختلاف هو من الفطر التي فطر الله الناس عليها منذ خلقه ونفخ  الروح فيه وجعل الاختلاف والتعدد والتنوع سمة بارزة من سمات الانسان السوي الذي تتصارعه عدة أنفس الخيرة والشريرة والمطمئنة.
لا يعي كثير من بني البشر ولا يتلفت الى معنى التنوع والاختلاف في ما خلق الله في الانسان وفي الكون وهو بذلك يصارع خلق الله، يريد أن يخضع الكون لارداته وجبروته وسلطانه، ويريد للبشر أن يتبعوه فيما يعتقد ويؤمن به من أفكار ومعتقدات وقيم وعادات، ويرغب أن يصيرً الدنيا كلها تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه، ويصادر كل فكرة لا تتقاطع مع أفكاره، يحارب الاديان الا دين واحد هو دينه الذي يعتنقه، يمقت كل فكر وأدب إلا فكره وأدبه. هكذا هو ديدن الانسان منذ أن سكن الارض وحتى يرحل منها.
يقول الدكتور محمد عمارة في كتابه " الاسلام والتعدديه" " في الاسلام تبلغ التعددية مكانة السنة والقانون الالهي الذي لا تبديل ولاتحويل عنه، فهي ليست حق من حقوق الانسان يخضع للمنح والمنع والتنازلات والمساومات، وهي لا تقف عند السياسات وانما هي القانون العام في جميع عوالم المخلوقات من الجماد الى النبات الى الحيوان الى الانسان الى الافكار فما عدا الذات الالهية قائم على التعدد والتنوع والاختلاف"
الاختلاف سنة كونية من سنن الله التي خلقها في الانسان كي يتعايش مع أخيه ومع باقي ما خلق من نعم وآلاء وعلى البشر جميعا أن يعوا أن اختلافهم هو رحمة لهم وأن يتقبلوا الاخر بفكره ودينه ومعتقده – ما وافق الفطرة السليمة - لا أن يقاتلوه أو يحاربوه، وصدق الله حيث قال في كتابه " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع