التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المواطن الرقمي

حاولت إقناعه بضرورة استخدام الحاسب الآلي في عمله، وآن الأوان بضرورة استخدام أبسط قواعد تقنية المعلومات وهي البدء في تحريك فأرة الحاسوب كي تتحرك باقي فئران التفكير الايجابي في عقله. ولكن يبدو أن الزبوري الذي كنت ألقيه عليه لم ينفعه ولم يحرك شيئا من قناعاته من أن استخدام الورق لا يزال هو أفضل وأجمل وأعظم اختراع عرفته البشرية ولا بد لها من نبذ هذه المخترعات والعودة الى الطبيعة كما كان أسلافنا من قبل يفعلون.
على الجانب الآخر من ذلك المكتب الذي دار فيه حواري مع رجل الماضي، كنت متجولا في معرض الاتصالات وتقنية المعلومات (كومكس)، والتقيت بصديق تبوأ الآن منصبا في هيئة تقنية المعلومات، وهو يقود الآن فريقا يهدف الى التحول للحكومة الالكترونية. أبهرني حديثه عن الخطوات التي تقوم بها الحكومة ممثلة في الهيئة لاقناع مؤسسات الحكومة للانتقال الى التعامل الرقمي في معاملاتها مما يسهل عليها أولا وعلى المراجع والمستفيد ثانيا الكثير من الجهد والعناء ويبسط اجراءات تخليص وانهاء المعاملات والحصول على المعلومات بكل سهولة ويسر.
على الرغم من أن ما انجز في خطة التحول هذه، إلا أن ذلك لم يكن بالقدر الذي يرضي غرور المواطن الرقمي، فما زالت الطوابير الطويلة تقف بانتظار أن يصلها دور تجديد عقد أو تأمين مركبة أو سحب قرعة أو الحصول على مأذونية أو فتح سجل تجاري أو غيرها من الخدمات البسيطة التي يمكن أن يقوم بها الفرد من منزله أو حتى من هاتفه النقال فلا فرق بين أن يقوم موظف بتعبئة بيانات أو ملئها في استمارة معدة لذلك الغرض وبين أن يقوم المواطن بنفسه بتعبئة تلك الاستمارة فالنتيجة هي سيان لا فرق بينهما سوى تقليل التكلفة والترشيد في الانفاق وتحسين الخدمات المقدمة لهذا المواطن الرقمي.
أحد أسباب معوقات التحول الرقمي للحكومة هي التعقيدات الادارية في كل جهة على حدة. فالكثير من الجهات الحكومية لم تصل بعد الى قناعة بسلامة وأمن الشبكة حتى انها لا تصرح برفع ورقة توصف بأنها أقل من عادية على موقعها على الشبكة خوفا من اختراقها أو أن تنتشر الى مواقع أخرى.
من الاسباب الاخرى المعوقة لهذا التحول هو تداخل الاختصاصات بين كثير من الجهات فهذا الامر بات كالكرة تتقاذفها هذه الهيئات والمؤسسات فيما بينها كل يرمي بالكرة في ملعب الآخر، فهذا يقول أن العائق الرئيس في خطتنا ليس نحن وإنما الآخر، وهكذا تضيع الخطة بين هذه الجهة وتلك.
قد يكون السبب الحقيقي الذي يقف عائقا أمام هذا التحول هو عدم الاقتناع بأهمية البدء في تدشين هذه الخدمات وعدم وجود جيل رقمي مؤمن بضرورة توفير هذه الخدمات للجمهور الكترونيا والتسهيل على الناس قضاء حوائجهم والبدء في استغلال هذه التقنية على صعيد الاستثمار وزيادة العائد المادي والاقتصادي لهذه المؤسسات ومساعدة الحكومة في تنويع مصادر الدخل من خلال الاستثمار الالكتروني لشبكة المعلومات.
على الرغم من كل هذه المعوقات، الا أن الامر الذي يبشر بخير هو أن رجل الماضي اقتنى مؤخرا جهاز هاتف نقال ذكي تتوافر فيه كل الخدمات الالكترونية، حتى وإن كان هاتفا احتياطيا لهاتفه العتيق ذو الازرار، الا أنه ربما يصبح هذا الرجل في يوم من الايام مواطنا رقميا.


مقال منشور بجريدة عمان http://bit.ly/10h0lfS

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع