التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المدرب العالمي


أحد أصدقائي المغردين أطلق تغريدة قال فيها " أستغرب من تنامي من يطلقون على أنفسهم محاضر عالمي معتمد من المعهد الكندي أو غيره، الشهادة يحصل عليها بعد اسبوع ويصبح مدرب .. أمر في غاية الخطورة".

فعلا صديقي إنه أمر في غاية الخطورة أن يكون لدينا هذا الكم الهائل من المدربين العالميين في التنمية البشرية المعتمدين من المعهد الفلاني أو المركز العلاني وأعمار معظمهم لا تتجاوز الثلاثين عاما، ولغة الأكثر منهم لا تتعدى العربية المكسرة في كثير من الاحيان فما بالك بلغة عالمية رديفة للغة الام تتناسب مع الشهادة التي يحملها، كما أن الحصيلة المعرفية للعدد الاكبر من هؤلا المدربين العالميين لا تتجاوز محاضرة حضرها مع مختص أو كتاب قرأه أو مقطع فيديو استمع اليه وهو يكرره ليل نهار على من يلقي عليهم دروسه ومواعظه في التنمية البشرية.

تصدمك بعض الاعلانات التي تقرأها وتسمعها عن هؤلا المدربين وتلك الدورات مثل حتى تكون أسعد الناس التحق بدورتنا في التنمية البشرية بقيادة المدرب العالمي الحاصل على شهادة كذا المعترف بها دوليا من دولة كذا، أو المدرب المحترف، أو مدرب الحياة، أو سوف تتغير حياتك معنا للابد، وغيرها من الاعلانات التي قد يصنف الكثير منها في خانة التضليل ويصنف من يقوم بها بأنه  بائع الوهم أو كما أسماهم أحد خبرائهم في التنمية البشرية بأنهم نصابين يقدمون الوهم لا العلم.

ترى لماذا هذا الرواج لمثل هذا النوع من العلوم؟ ولماذا يتهافت الناس على حضور مثل هذا النوع من الدورات؟ ولماذا استغل البعض هذه الفرصة ليقول للناس بأنه هو أفضل وأمهر من يقوم بتدريب وتدريس هذا النوع من العلوم؟ ولماذا لا يستخسر الناس من إنفاق الأموال في هذا النوع من العلوم في حين أنه يتسخسر دفع أقل من ذلك المبلغ لدعم عمل خيري أو شراء كتب مفيدة لقرائتها؟

ربما أن أحد الاجابات على هذه التساؤلات تذهب إلى أن حياة الكثير منا صارت بدون هدف وبدون طعم وغرقنا في الكثير من الهموم ومتع الحياة الدنيا وابتعدنا كثيرا عن قيم ديننا وعادات آبائنا وانغمسنا في الكثير من الملذات وبتنا نتبع نمط وحياة الغرب التي تسيطر فيها المادة على كل شىء في الحياة، وهذا ما يفسر نشوء هذا العلم في العالم الغربي أولا ثم انتقاله الينا معلبا.

قرأت مرة أن مؤسس هذا العلم وهو الامريكي ديل كارنيجي مؤلف أحد أشهر كتب تنمية الذات " دع القلق وابدأ حياة جديدة" ومؤسس ومدير معهد كارنيجي للعلاقات الانسانية قد مات منتحرا – ولست متأكدا من صحة هذه الرواية- علما بأنه وكما قرأت كان مصابا بالسرطان الدم، وقد يفسر هذا على أن الغرب المادي قد استقبل بكل حفاوة وانبهار هذا العلم الذي يعيد تعريف الانسان بذاته ويعيد اليها جوهرها الذي سلب منها.

شخصيا لست ضد هذا النوع من العلوم، فقد حضرت بنفسي بعضا من هذه الدورات التدريبية واستفدت منها في تطوير أسلوب حياتي، لكن ما دفعني وزميلي المغرد الى الكتابة هو سوء استخدام هذه العلوم من قبل أشخاص استغلوها لأغراض تجارية بحتة ساهموا وللاسف في إعطاء صورة سيئة لهذه العلوم كما قالت إحداهن في ردها على التغريدة " ما منهم من اللي يحضر لهم".

@ashouily    

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع