التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مصعد الوزير



        " هذا المصعد مخصص لمعاليه فقط" .

بهذه العبارة نبهي أحدهم بأن ما كنت أنتظر نزوله لن ينزل، فهو مخصص فقط لنزول وصعود معالي الوزير، وإن أردت الصعود فعلي اختيار المصعد الآخر المخصص لعامة الشعب من المراجعين والموظفين، وهنالك خيار آخر أفضل وأسهل وينصح به الاطباء دائما ألا وهو السلم ويمكن تسلقه لأعلى طابق في البناية.

هذا هو حال بعض المؤسسات الحكومية في بلادنا. فقد شهدت بنفسي طوابير من المراجعين والموظفين يقفون بانتظار قدوم المصعد الوحيد في تلك البناية المكونة من ثمانية طوابق حيث أن المصعد الآخر مغلق طوال اليوم لا يفتح إلا مرتين مرة عند قدوم معاليه ومرة أخرى عند مغادرته وقد يفتح في الثالثة إن عنتً لمعاليه حاجة في الطوابق السفلى.

أحد المنتظرين منا لقدوم المصعد اقترح بأن يتم غلق المصعد وقت طلوع ونزول معاليه ومن ثم يمكن فتحه بعد ذلك للعامة من الموظفين والمراجعين بدلا من أن يبقى طوال النهار مغلقا لا يستخدمه أحدا من باب سياسة " الاستغلال الامثل للموارد"، إلا أن اقتراحه ذهب أدراج الرياح لأن أيا منا نحن المنتظرين لم يكن مالكا لقرار مصعد الوزير.

كتب لي مرة دخول مصعد – كان مخصصا لوزير - فهو  لم يكن كمصاعد بقية الشعب من الموظفين والمراجعين، فمصاعدهم تختلف تماما عن مصاعدنا ، فهي جميلة أنيقة مزينة بالورود ومعطرة بالروائح الجميلة وبها مناظر رائعة لا يملها معاليه خلال صعوده وهبوطه الى مكتبه. أما مصاعدنا نحن فهي إما معطلة وإما مزدحمة ولا ينتبه اليها أحد ومهملة وغير جميلة وهي ليست مزينة بصور الطبيعة والجمال الخلاب ومن يركب في بعض منها يخاف أن تتعطل به في أي دور.

قرأت مرة أن وزير الاتصال في الحكومة المغربية الجديدة أعطى أوامره بفتح مصعد في الوزارة كان مخصصا للوزير دون غيره، حيث تم فتحه للمرة الاولى في وجه المعموم من الموظفين والعاملين والمراجعين من المواطنين، فقلت في نفسي أن داء المصاعد هذا قد ابتلي به كل الوزراء العرب فهم يحبون العزلة والخصوصية بعيدا عن أعين الناظرين والحاسدين من الموظفين والمراجعين.

المصعد، هو حلقة من حلقات عزل المسؤول عن واقعه، فابتداء من السيارة الفارهة التي تقله من منزله الى أمام مصعده الى مكتبه المحصن بالموظفين والمنسقين والتنفيذين ومحصن كذلك ببعض الاقفال السرية للحيطة والحذر والامان. لا يرى هذا المسؤول شيئا من واقع الحياة فهي جميلة ووردية وزاهية ولا يوجد هنالك من يشتكي أو يئن أو يطلب مساعدة، فهو لم ير مراجعا لا في طريقه ولا في مكتبه ولا في مصعده وهو يجزم أن الدنيا بخير ومن يشتكي فهو ناكر للنعمة التي أنعمها الله عليه.

يفترض بمن ولي أمرا من أمور الدولة أيا كانت وظيفته ومنصبه أن لا يعزل نفسه عن موظفيه ولا عن المراجعين، وأن لا ينأى بنفسه بمصعد خاص ولا بمعاملة خاصة لانه وقبل كل شىء هو موظف اليوم على رأس عمله وغدا خارجه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع