التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اطلبوا العلم .. ولو

اطلعت على عريضة المسيرة الخضراء التي تم رفعها الى المقام السامي من خلال ما تم نشره في المنتديات الالكترونية، وما استوقفني فيها مطالبة الشباب الرافعين لهذه الوثيقة باصلاح النظام التعليمي في السلطنة ويشمل هذا الاصلاح نظام التعليم العام والتعليم العالي. كما اطلعت في موضع آخر على ما قام ويقوم به المدرسون من مسيرات مطالبة ببعض التعديلات والتغييرات في النظام التعليمي ومطالبتهم في المقام الاول ببعض حقوقهم التي يرون أن وزارة التربية والتعليم لم تستطع توفيرها لهم.


توقفت عند هذه المطالب والمسيرات والاجتماعات التي عقدها وكلاء وزارة التربية مع المدرسين لمحاولة تصحيح أوضاع المعلم والمتعلم ونظام التعليم، وتسائلت هل فعلا نظام التعليم لدينا في السلطنة بحاجة الى اصلاح وبات لا يلبي احتياجات الطالب والمتعلم في عصر صارت الامم فيه تتسلح بالعلم والمعرفة في مواجهة ظروف الحياة وهل صار الكثير من أولياء الامور من أمثالي لا يثقون في نظام التعليم الحكومي ويرددون بضرورة طلب العلم ولو في المدارس الخاصة؟.


نحن أمة كانت تتفاخر بمجانية التعليم والصحة وخلوها من الضرائب التي يدفعها المواطن، ولكن يبدو أن حسدنا لأنفسنا قد جلب لنا بعض التعاسة فصرنا نتكبد دفع مبالغ كبيرة على التعليم والصحة بسبب أن التعليم الحكومي صار لا يشبع غرور أولياء الامور في الحصول على تعليم متميزلأبنائهم وباتت مناهج التعليم لا تواكب متطلبات العصر، وصار ولي الامر يرى أن مخرجات التعليم العام لا ترقى الى مستوى المسؤولية، حتى خريج المدرسة الحكومية وحامل الشهادة العامة لا يفقه الكثير مما يتعلمه وصار بحاجة الى فصول للتقوية في الجامعة حتى يستطيع أن يجاري مستوى الطالب الجامعي في التعليم.


ما رأيته من نماذج طلابية أنهت شهادة التعليم العام وهي حتى لا تستطيع القراءة الطلقة سواء باللغة العربية أو الانجليزية وغير ملمة بالكثير من المنهج الذي درسته على مدى اثنتى عشرة عام، جعلني امعن في التفكير كثيرا هل يا ترى مثل هذا الجيل وهذه المخرجات قادرة على بناء وطنها وأمتها والمساهمة في بنائها وتعميرها وتنميتها وتطويرها وهي غير قادرة على بناء نفسها وتنمية ذاتها، وهل الخلل الحاصل في المنظومة التعليمية مصدره وزارة التربية والتعليم أم المعلم ذاته أم الطلبة الدراسون أم أن الامر هو هكذا لطالما تعلق الامر بتعليم حكومي مجاني لا يدفع فيه المواطن قرشا واحدا، ويبقى لمن لم يعجبه نظام التعليم الحكومي اللجوء لطلب العلم للمدارس الخاصة التي تستورد مناهجها ومدرسيها من الخارج وتحرص على أن يشعر ولي الامر بأن ما يدفعه على إبنه وابنته سوف يعود عليهم بالنفع والعلم والفائدة.


نحن جيل خرج من مدارس التعليم الحكومي الذي كانت مناهجه مستوردة من الخارج، فجاءت قوية لا يزال الكثير منا يتذكرها الى اليوم، تبعها لاحقا مناهج عمانية محلية أو معمنة كانت تلبي احتياجات تلك المرحلة من التطور وبناء الدولة، ولكن مناهج اليوم كما يقول عنها من عاصرها بأنها لم تعد تلبي احتياجات العصر الحديث كما أن المدرس نفسه لم يكن كما كان المدرس في الماضي، فالكثير من المدرسين بحاجة الى دورات تدريبية في التعليم والشرح وايصال المعلومة للطالب. وبين المدرس والمنهج والمدرسة يبقى الطالب هو الخاسر الاول من نظام التعليم الحكومي.


يحق لوزارة التربية والتعليم بأن تفاخر بأنها استطاعت احداث تغيير في نظام التعليم في السلطنة منذ العام سبعين وحتى اليوم سواء بعدد المدارس التي انتشرت في كافة قرى ومدن الحبيبة عمان وادخال بعض الانظمة المساعدة في عملية التعليم وابتكار العديد من المسابقات التي تحاول أن تساعد الطالب على فهم البيئة المدرسية، ولكن يبقى السؤال هل سيبقى وضع التعليم لدينا كما هو عليه ويتكبد من لديه مبلغ اضافي تعليم ابنه أو ابنته في مدرسة خاصة ومن ثم لاحقا تعليمه في كلية جامعية أو جامعة خاصة ويبقى طوال حياته مرهونا بتوفير مستوى عال من التعليم لابنائه الذين هم أفضل استثمار في الحياة أم أن عريضة المسيرة الخضراء التي تم رفعها الى المقام السامي سوف تؤتي ثمارها ويبقى طلب العلم في المدرسة الحكومية أفضل من طلبه في المدرسة الخاصة.










تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع