التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لا أسمع، لا أرى

خلال الأسبوع الفائت التقيت بأكثر من صديق يسألني عن متى تم تحديد إجازة المولد النبوي الشريف للقطاعين العام والخاص؟ فجاء ردي على المتسائلين بأن الإجازة قد اعلنت وتم نشرها في جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقرية. وقلت لأحدهم: ألا تتابع وسائل الإعلام؟ فجاء رده بأنني لا أسمع، لا أرى ولا أقرأ.


استغربت لكلام هذا الصديق فمن منا لا يتابع اليوم وسائل الإعلام التي باتت منتشرة وسهل الوصول إليها من كل مكان ويتساوى في الحصول عليها الفقير والغني وفيها التسلية والترفيه ومصدر الأخبار وهي مرآة المجتمع وناقلة شؤونه ومشاكله، إلا أن هذا الصديق استدرك قوله: أنني لا أتابع وسائل الإعلام المحلية فقط من إذاعة وتلفزيون وصحافة وان تركيزي منصب على الحصول على ما أريد من أخبار وتسلية وترفيه من خلال الإعلام العالمي وما تعرضه القنوات والوسائل الإعلامية الأخرى من مواد إعلامية، بالإضافة إلى شبكة الانترنيت التي صارت اليوم أفضل وسيلة إعلامية في الدنيا.


استدرجت هذا الصديق لأعرف سبب عزوفه عن متابعة إعلامنا المحلي فكان جوابه التالي،،


لماذا أتابع وسائل الإعلام المحلية؟ لا تزال وسائل الإعلام لدينا بنفس رسالتها التنموية والتوجيهية، تركز على الجوانب الرسمية في أغلبها، فلان استقبل فلان، فلان سافر إلى البلد الفلاني، فلان افتتح مشغل للخياطة، فلانة أقامت معرض لمجوهراتها، المسؤول الفلاني اجتمع بموظفيه في الوزارة الفلانية،، وتطول قائمة أخبارنا المحلية المعلبة والجاهزة التي منذ أن وعينا على وجه هذه الدنيا وهي كما هي لم تتغير، ما يتغير هو فقط أسماء الأشخاص ويبقى الخبر هو نفسه تتعاقب أجيال المحررين عليه وكأنه إرث يجب عدم التفريط فيه.

بصفتي رجل من رجالات الإعلام المحلي أخذتني الغيرة على صراحة هذا الصديق فقلت له: ولكن مهما يكن فلا يزال إعلامنا يوصف بأنه إعلام متزن يقيس الأمور بمقاييسها ويبتعد عن التهويل والتضخيم والتدخل في شؤون الغير ولا ينساق وراء الشائعات ولا وراء المغرضين ولا ولا ولا. هنا قاطعني هذا الصديق قائلا: كل ما تقوله صحيح وهو ما يردد في وسائل إعلامكم منذ بدأنا عجلة التنمية في هذه الأرض المباركة والى اليوم هو نفس الخطاب، أحيانا أتابع ما تنشره صحيفة محلية من أعداد قديمة تعود إلى العام سبعين وأقارن صياغة الخبر في ذلك اليوم لأجده نفس الخبر لم يتغير فيه ولا حرف واحد فقط، ما تغير هو اسم الشخص أو المكان فقط، نحن جيل جديد بحاجة إلى إعلام مسؤول وواع بمسؤوليته تجاه المجتمع والناس، لسنا بحاجة إلى معرفة نشاطات الوزارات والوزراء، نحن بحاجة إلى من يلامس حياتنا اليومية، من يناقش همومنا بكل شفافية وموضوعية، بحاجة إلى إعلام قادر على المناقشة والمحاورة، إعلام يقول لك بأن هنالك مشكلة في المجتمع والحل هو كذا، إعلام ينتقد الأداء الحكومي والخاص، إعلام يشارك في رسم السياسة الاجتماعية والاقتصادية لبلدنا، إعلام يرينا الخطأ في المجتمع ويقول بأن المخطئ هو فلان ويجب أن يحاسب. باختصار شديد نحن بحاجة إلى مزيد من الحرية الإعلامية والحرية للصحفي أن يكتب وينتقد حتى نستطيع أن نسمع وأن نرى وأن نشاهد إعلامنا المحلي بدلا من معرفة أخبار مجتمعنا من مصادر دخيلة علينا.


اختتم صديقي كلامه بقوله: أخشى ما أخشاه بأن يأتي يوم يعزف الناس فيه عن التعرض لوسائل إعلامنا المحلية ونجد أن عددا من الموظفين قد ذهب إلى عمله في يوم إجازة رسمية مثلما حدث معي في إجازة المولد النبوي الشريف هذه.


قد اتفق واختلف في ذات الوقت مع هذا الصديق الذي لا علاقة له بالإعلام ولكن ما أعرفه بأن الزمن قد دارت دورته ولا زلنا على ما نحن عليه، نحن بحاجة إلى الدوران مع الزمن حتى يستطيع المواطن فينا أن يسمع وأن يرى وأن يتكلم أيضا.





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع