التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مفاتيح



هل يمكن أن تكون مفاتيحك هي عنوان شخصيتك؟ أخبرني أحدهم بذلك ذات يوم قائلا يمكنك تقدير عمر الشخص الواقف أمامك من مفاتيحه التي يحملها معه، فالشاب الصغير في السن تجده لا يحتفظ في جيبه الا بمفتاح واحد أو اثنين وهذا دليل على شبابه وأن الحياة لم تعركه بعد، والكبير في السن تجده يحمل في جيبه أو في يده سلسلة ربطت في آخرها مجموعة من المفاتيح واحد للسيارة والثاني للبيت والثالث للمكتب والرابع لدولاب البيت والخامس لطاولة المكتب التي يحتفظ فيها بأسراره والسادس لمكان ما في البيت يحتفظ فيه أيضا بأسراره وتطول قائمة المفاتيح التي تتشابه وتتشابك في تنظيمها كما تتشابك حياته في التنظيم.

منذ ميلادنا وحتى وفاتنا تمر علينا الكثير من المفاتيح، تبدأ عندنا من مفتاح الشنطة الصغيرة التي نحمل فيها كتبنا ودفاترنا التي نرى أن فيها خصوصية لا ينبغي للاخرين رؤيتها، مرورا بمفتاح الدراجة الصغيرة والسيارة والبيت والمكتب والخزانة والخزنة، الى ان تحين ساعة وفاتنا لتجدنا نوصي بالمفاتيح لابنائنا كجزء من الميراث الذي نخرج نحن به ويدخل غيرنا به، وتستمر الحكاية على هذا النسق مفتاح يروي قصة شخص ليفتح به أبوابا لحياة آخرين.

كل يوم من أيام الله نسمع فيه كلمة مفتاح سواء أكان هذا المفتاح هو ما تعورف عليه تلك القطعة المعدنية الصغيرة التي نفتح بها أقفالا حديدية أخرى، أم انها مفاتيح غير محسوسة فتجد أن شخصا يرشدك الى مفاتيح النجاح وآخر يقول لك اقتن مفاتيح السعادة وغيره يعرض عليك مفاتيح الحياة الزوجية ولم يدر هؤلا ان هذه المفاتيح لا تستطيع فتح ما انقفل وصدأ من حياتنا سواء أكانت في السعادة أو في الزواج أو في النجاح فتضظر الى ترك تلك الابواب موصدة لتعذر أو لفقدان المفتاح المناسب.

مع تطور حياتنا تتطور مفاتيحنا، فلم تعد مفاتيحنا القديمة لتستطيع فتح حياتنا الجديدة فاخترعنا مفاتيح الكترونية لتساعدنا في ذلك، فجاءت المفاتيح الجديدة أكثر وأعقد من المفاتيح القديمة، مفاتيح العصر الحديث بحاجة الى عقل يحفظها ويعيها ولا ينساها وخطورتها أسوأ من خطورة القديمة وسرقتها أسهل من سرقة القديمة وأعدادها أكثر من أعداد القديمة فصار الجميع لسهولتها يطلب منك مفتاحا للدخول ابتداء من جهاز الحاسب الالي والهاتف النقال وبطاقة البنك والبريد الالكتروني لتصبح حياتنا كلها محاطة بأقفال بحاجة إلى مفاتيح أمان.

نعم، فعلا أن مفاتيحك عنوان لشخصيتك في الاولى تكثر مفاتيحك عندما تكبر في السن، وفي الثانية تكثر مفاتيحك عندما تصغر سنك والفارق بين المعنيين واضح يوضحه الفارق بين المفتاح القديم والحديث.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ashouily@hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع