التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فكر كالرهبان




على أرفف مكتبة كبيرة تضم آلاف الكتب شدني كتاب عنوانه "عش بصفاء

وبلا خوف" لمؤلفه جاي شيتي فقررت اقتناءه لأنه من الكتب الحديثة الصادرة والمترجمة عن الانجليزية ويحمل في مضمونه كثيرا من النصائح والإرشادات للعيش في هذه الحياة بكل سعادة وصفاء وحب والتغلب على السلبية والذاتية والأنانية. المؤلف أعطى لكتابه بنسخته الانجليزية عنوان "فكر كالرهبان" باعتبار أن حياة الرهبان هي الحياة النموذجية التي يجب أن يحييها الإنسان مبتعدا عن التعاسة والمنغصات لأنها حياة تخلو من الحقد والحسد والبغض والمقارنة مع الآخرين وحب التملك والسعي نحو الكمال وغيرها من الأمور التي باتت تؤرق الإنسان في هذا الزمان.

شدتني الصفحات الأولى من هذا الكتاب لأنها تحكي تجربة كاتبها عن الحياة من قبل أن يصبح ناسكًا وبعد أن أصبح ناسكًا متعبدًا لا يعنيه من الدنيا سوى التأمل والعبادة والتفكر في ما خلق الله والابتعاد عن كل الخطايا والسوءات التي تكدر حياة الإنسان وتحيلها إلى تعاسة، الكتاب وإن لم يكن الأول في مضمونه الذي يتحدث عن السعادة والبحث عن الكمال في الدنيا والعيش بزهد إلا أن أسلوب كاتبه يجبر القارئ على مواصلة قراءته من فصل لآخر لأنه وكما قلت في السابق إنه يحكي تجربة شخصية للكاتب في العيش بعيدًا عن المنغصات وتجاهل السلبية والسلبيين من البشر والركون إلى التنسك والرهبنة والانزواء بعيدًا عن البشر مع إمكانية العيش بأسلوب الحياة الحديثة والاستمتاع بكل تفاصيلها من دون الداعي إلى استدعاء القلق والغضب والضغوطات النفسية التي تسبب إنهاكا للجسم والعقل.

توقفت مع اختيار الكاتب عنوان فكر كالرهبان أو عش حياة الرهبان باعتبارها الحياة الأسمى والأفضل والأجمل لأنها حياة مع الله وحده منقطعة لعبادته ومراعية لتعاليمه ومبتعدة عن حيوات البشر التي تخالطها بعض شوائب الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وكثير من العلل والأمراض النفسية، ولعل تجربة الكاتب هنا في هذا الكتاب كانت في الحياة كراهب أو ناسك يعيش في دير هو ومجموعة من الرهبان لا يجمعهم في ذلك المكان سوى محبة الله وعبادته مبتعدين عن كل ملذات الحياة ومتاعها فهم ينامون على حصير فرش في الأرض ويلتحفون أغطية لا تقيهم برد الشتاء ويسكنون بيتا صغيرا يتقاسمون فيه كسرة الخبز وقليلا من الأكل في حياة أشبه ما تكون بحياة التقشف والتقتير التي وصفها الكاتب بأنها حياة تعلمك كيف تكون فقيرًا إلى الله في كل وقت.

الكاتب يقدم كثيرا من النصائح الشخصية لقرائه في إمكانية العيش بمتع الحياة الحديثة كالحصول على وظيفة مرموقة والحياة في بيت في مدينة صاخبة والزواج من امرأة جميلة وتربية أولاد صالحين وممارسة الهوايات المفضلة وغيرها من المتع الدنيوية مع الإبقاء على عيش الرهبان والنساك والمتبتلين والمنقطعين إلى الله شريطة اتباع بعض الحكم التي يسردها الكاتب في كتابه ويمكن أن يتعلمها الجميع لجعل حياتهم أكثر سعادة وأكثر صفاء.

قد لا نكون بحاجة إلى كثير من حكم جاي شيتي التي أوردها في كتابه كي نحيا حياة سعيدة، لكننا بحاجة ماسة إلى اتباع الفطرة السوية السليمة التي خلقنا الله عليها وأن نقترب أكثر من الخالق وتعاليمه التي أنزلها علينا في كتبه السماوية التي تعلمنا أفضل الطرق في العيش مع ذواتنا ومع الآخرين، وبحاجة أكبر إلى كثير من الصفاء والوئام كي نستطيع قراءة كتب الله بكثير من التفكير والتعقل لأننا بتنا أمة لا تتفكر في نفسها.

https://www.omandaily.om/أعمدة/na/نوافذ-فكر-كالرهبان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع