التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حذاء مهترىء



في القرون الوسطى كان الحكم على الرجل من حذائه، فلو كان حذاء الرجل أنيقا ولامعا لكان معنى هذا أن الرجل ينتمي إلى طبقة أرستقراطية أو غنية، أما لو كان حذاؤه الذي ينتعله مغبرا ومتسخا وغير مرتب فيصنف لابسه بأنه من طبقة فقيرة أو هو شخص غير منظم في حياته ومهمل في الاعتناء بأشيائه الخاصة.
تطورت تقنيات قراءة شخصية الإنسان من حذائه الذي يلبسه، فاخترع علماء النفس تفصيلات دقيقة جدا في نوعيات الأحذية التي يلبسها الشخص، فتعدى أمر التركيز على نظافة الحذاء ولمعانه إلى نوعيته، فهم يقولون أن الحذاء يحدد مسار حياة الشخص المهنية والشخصية فالحذاء المربوط بالحبل يعني أن لابسه يتمتع بشخصية واثقة وأنيقة، أما الحذاء التقليدي فيعني أن مقتنيه لديه نمط كلاسيكي في حياته ويفضل اتباع أسلوب والده وجده ولا يميل إلى التغيرات الحديثة في حياته، في حين أن الأحذية الرياضية الخفيفة تعني أن شخصية مقتنيها سهل ومرن في حياته ويقبل التغيير ويتأقلم مع تطورات الحياة، أما من يفضل اقتناء الأحذية ذات الشعارات التجارية الغالية فهذه الشخصية تميل إلى الإفصاح عن مركزها الاجتماعي وغير ذلك الكثير من التفصيلات التي تحاول ربط شخصية الإنسان بحذائه الذي يلبسه.
وللحذاء في التاريخ قصص كثيرة ومختلفة، فكثير من الأحذية أدخلت أصحابها إلى التاريخ وأصبحوا مشهورين أشهرها حذاء السندريلا الذي جلب لها الحظ وحذاء الطنبوري الذي ذهب به إلى القاضي ليشكوه بعدما تعب من ترقيعه، وهنالك خفا حنين القصة المشهورة التي أصبحت مثلا يدلل على خيبة الأمل، وأيضا حذاء أو قبقاب شجرة الدر الذي قتلت به وحذاء غاندي الذي رمى فردته الثانية بعدما سقطت منه الفردة الأولى من القطار مطلقا مقولته الشهيرة «أحببت للذي يجد الحذاء أن يجد فردتين فيستطيع أن يتنفع بهما، فلو وجد واحدة فلن تفيده»، وأيضا حذاء منتظر الزيدي الذي رشق به الرئيس الأمريكي جورج بوش وأحذية إميلدا ماركوس الفلببينية التي بلغ بها الهوس أن تبدل كل يوم حذاء وتقتني أغلى الأحذية، وغيرها من قصص الأحذية التي دخلت وأدخلت أصحابها التاريخ.
مما أدهشني عن البحث عن عالم الأحذية أن أجد كثيرا من الفتاوى الدينية التي تتحدث عن الحذاء وكيفية لبسه وطريقة لبسه وأحكام الحذاء المقلوب وجواز الصلاة بالحذاء والمسح على الحذاء ومقدار ارتفاع حذاء المرأة المسموح به ولعل أغرب من هذا كله هو تفسير الأحلام فمن حلم بالليل أنه ضيع حذاءه أو سرق منه فذلك دليل كما يقول مفسرو الأحلام أنه فقد مهارة معينة أو أن صاحبها يواجه مشاكل متعددة في حياته.
قبل يومين ودعت حذائي إلى مثواه الأخير بعد أن تعب من حمل جسمي ودوس رجلي فقرر أن يقطع الجلدة التي تربطني به، فراودتني نفسي أن أرقعه أو أرسله للإسكافي أو كما نسميه بالمحلية «الشمار» ولكن لا وجود لشمارين في بلادنا فقد انقرضوا كلهم، فكان القرار الأخير أن أودعه وداعا يليق به قبل ذهابه إلى مثواه الأخير ملفوفا بخرقة بالية ومدفونا في سلة من سلال المهملات المنتشرة في أرجاء البيت مع أسف عليه ووعد قاطع بأن أؤبنه وأرثيه بكلمات تليق بمن أمضيت معه سنوات طوال لا يفرق بيننا سوى النوم.
لو كنت أحد نجوم التويتر أو اليوتيوب ورثيت حذائي فيه لربما تسابقت علي إحدى شركات الأحذية السمينة لشرائه مني أو لتعويضي مبلغا محترما من المال أو قد يبادر أحد أصحاب الثروات لاقتناء حذائي كما فعلوا مع منتظر ولكنني للأسف الشديد لا من هذا ولا ذاك ولا يمثل حذائي المهترئ أية قيمة حقيقية سوى عندي أنا فقط.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع