التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تعليم عال مشتت


عبدالله بن سالم الشعيلي –
Twitter: @ashouily –

بمبادرة محمودة من أحد زملاء المدرسة الثانوية التقيت بمجموعة من الأصدقاء ممن أنهينا ما كان يعرف آنذاك بالثانوية العامة وتبدل اسمها اليوم إلى شهادة دبلوم التعليم العام وأخذنا حديث الذكريات إلى آفاق بعيدة اجتر فيها الزملاء ذكرياتهم الجميلة ومشاغباتهم وجدهم ولعبهم ومواقفهم الطريفة مع المعلمين وباقي زملائهم من الفصول المجاورة.ساقنا زملاء الثانوية الى الحديث عما بعد الثانوية والجهة التي أكمل كل منا تعليمه فيها حيث أن البعض منا قد أنهى دراسته في جامعة السلطان قابوس وآخر في كلية المعلمين أو ما يعرف الآن باسم كليات العلوم التطبيقية التي تشرف عليها وزارة التعليم العالي، وثالث من معهد الدراسات الإسلامية الذي يشرف معهد السلطان قابوس العالي للثقافة ورابع تخرج من معهد العلوم الشرعية الذي تشرف عليه وزارة الاوقاف والشؤون الدينية، وخامس من كليات التقنية التي تشرف عليها وزارة القوى العاملة، وسادس من أحد المعاهد الصحية التي تشرف عليها وزارة الصحة وسابع درس في كلية خاصة لها أسلوبها الأكاديمي المرتبط بجامعة بريطانية وثامن من كلية عسكرية تشرف عليها وزارة الدفاع وتاسع من المعهد العالي للقضاء الذي تشرف عليه وزارة العدل أما العاشر فقد أضاف لنا معلومة جديدة أن كلية الأجيال المزمع إنشاؤها قريبا بالمنطقة الداخلية فسيكون الإشراف فيها تابعا للهيئة العامة للصناعات الحرفية. هذا هو واقع التعليم العالي تتقاسم تبعيته ما يزيد عن عشر مؤسسات مختلفة كل منها بسياستها الخاصة بها وبالجودة التي تراها هي مناسبة من دون تدخل مباشر من أية مظلة تظلل هذه المؤسسات مجتمعة باستثناء الهيئة العمانية للاعتماد الاكاديمي التي وكما يبدو من أن تأثيرها على سياسات وجودة التعليم العالي ضعيفة وغير فاعلة في كثير من الأمور، كذلك هو واقع الأمر مع مجلس التعليم الذي لم تتضح بعد خارطة طريقه التي يسلكها لتحسين وتطوير جودة التعليم العالي في السلطنة.
أبسط ما يمكن أن يفرزه تعليم عال مشتت هو عدم خضوع تلك المؤسسات إلى معايير موحدة في إدارة الجودة الشاملة للعملية التعليمية وغياب الرؤى المستقبلية للتعليم العالي في كافة القطاعات ومدى احتياج المجتمع والدولة لمخرجات هذا التعليم والحاجة الى مراجعة وإضافة وتعديل وحذف بعض المناهج وبعض الكليات والجامعات، والوصول إلى أفضل الطرق والممارسات لإدخال التعليم الإلكتروني الى كافة المؤسسات مجتمعة، والأهم من ذلك غياب استراتيجية موحدة للتعليم العالي الى ما بعد عشرين عاما من اليوم بسبب تشعب الإشراف على تلكم المؤسسات.
الكثير من المؤتمرات والندوات وورش العمل والملتقيات وغيرها من الاجتماعات الكثيرة عقدت في السلطنة وخارجها ناقشت واقع التعليم العالي في السلطنة وضعف مخرجاته وكيفية الارتقاء به والخطط والاستراتيجيات والرؤى المتبعة للخروج من الحال الذي وصل إليه هذا التعليم ومحاولة الدفع به قدما تجاه تعليم عال قوي وممنهج، ولكن وكما يبدو من أن هذه المؤتمرات والندوات التي تستنزف كثيرا من المال العام لم تستطع الخروج بنتائج إيجابية ترتقي بالتعليم العالي وبقيت نتائجها وتوصياتها حبيسة الورق الذي كتبت عليه وحبيسة أدراج من نظموها، كما وأنها لم تفلح أيضا في لملمة شتات مؤسسات التعليم العالي تحت مظلة واحدة تكون معنية بالارتقاء بهذا التعليم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع