التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إبني في مدرسة خاصة

ابني في مدرسة خاصة

كل صباح أحرص على توديع ابنتي وابني قبل ذهابهما إلى المدرسة، الأولى إلى مدرستها الحكومية الواقعة بالقرب من بيتنا، والثاني إلى مدرسته الخاصة أيضا الواقعة بالقرب من بيتنا، وفي المساء أحرص قدر المستطاع الجلوس مع الإثنين ومناقشة يومهما الذي قضيا جله في مدرستيهما الحكومية والخاصة.
قبل أيام قليلة قررت نقل ابنتي – والتي هي الآن  بالصف الخامس – إلى مدرسة خاصة والإبقاء على ابني في ذات مدرسته، فالاثنان سيذهبان العام المقبل إلى مدارس خاصة بعد أن وصلت إلى قناعة شخصية محضة من أن التعليم في مدارس التعليم العام لن يحقق لي ولا لأطفالي تلك النوعية من التعليم التي رسمتها لمستقبل هذا الجيل من الشباب.
طبعا لن يعجب كلامي هذا الكثيرين ممن يقرأون هذا المقال وأجزم أن أولهم سيكون القائمون على تدريس أبناء عمان وتعليمهم، وبعض الأولياء والمربين ممن يرون أن التعليم في مدارس الدولة هو من أفضل أنواع التعليم وأن مناهجه قد تكون من أجمل مناهج التعليم العام في وطننا العربي الكبير.
ربما من محاسن الصدف أن يتزامن نقل ابنتي إلى مدرسة خاصة للعام المقبل مع نشر المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لبعض البيانات الخاصة بالتعليم أظهرت فيها تراجع أعداد الطلاب المسجلين في المدارس الحكومية خلال العامين الدراسيين الماضيين بنسبة واحد في المائة ونصف في المائة خلال العامين الماضيين، في حين أن الكفة مالت إلى المدارس الخاصة التي ارتفع فيها أعداد الطلاب المسجلين بما نسبته تسعة وأحد عشر بالمائة خلال نفس الفترة من العامين الماضيين، أي بما معناه أن أولياء الأمور من أمثالي فضلوا إلحاق أبنائهم بمدارس التعليم الخاص بدلا من إلحاقهم بمدارس الدولة العامة.
ليس ترفا أو مباهاة أو زيادة في الدخل عندما أقرر أن أدفع تكاليف تعليم أبنائي في مدارس خاصة، فرسوم تلك المدارس -كما يقال تقصم الظهر- فهي ليست بالشيء اليسير على متوسطي الدخل من أمثالي ممن يمنعون أنفسهم من التمتع بمتع الحياة الدنيا مقابل توفير تعليم ذي مواصفات عالية وعالمية لأبنائهم في ظل توجس من مستقبل بات الفيصل والحكم فيه لمن يملك علما نافعا.
أنا هنا لست بصدد تقييم مناهج وزارة التربية والتعليم ولا بصدد تقييم استراتيجيتها وخططها التي ترسمها لمستقبل التعليم في عمان، ولا بصدد تقييم معلميها أو أنشطتها الصفية واللا صفية كما يقال، فكل ما تقوم به الوزارة مقدر ومن أعلى المستويات وبشهادات من هم أفضل مني، ولكنني هنا أتحدث بلغة ولي أمر لا يفقه كثيرا ولا يعنيه ما يجري في مكاتب الوزارة ودوائرها فما أعرفه وأشاهده على أرض الواقع هو مبنى المدرسة وكتبها ومناهجها ومدرسيها، وما ألمسه على أرض الواقع هو مقارنة بين مستوى طفلين من أطفالي أحدهما في مدرسة حكومية وأخرى في مدرسة خاصة، فالفرق بين الطفلين يعني لي فرقا في مستوى التعليم وفرقا في مستوى ما يدرس في مدارس التعليم العام ومدارس التعليم الخاص.
نعم، ابني في مدرسة خاصة وسأحرص على أن يتلقى من العلم أنفعه وما يوفر له مستقبلا مشرقا يخدم به وطنه ومجتمعه حتى وإن كلفني هذا كثيرا من المال، وأجزم أن هذا الهاجس هو لدى الكثيرين من أمثالكم ممن أشارت بيانات المركز الوطني للإحصاء من أنهم اختاروا إلحاق أبنائهم بمدارس التعليم الخاص بدلا من إلحاقهم بمدارس الحكومة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع