التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التابعون وتابعو التابعين

هم مجموعة من البشر لا يستطيعون تكوين رأي أو اتجاه لهم فهم يقومون بالتصرف بسلوك الجماعة المسيرة لهم دون تفكير أو تخطيط من قبلهم قبل الإقدامعلى أي سلوك.

هذا ما استخلصته من مجموعة من التعريفات التي اختلفت في النص واتفقت في المعنى في تعريف التابعين وتابعي التابعين اللذين لا يملكون بأنفسهم رأي خاص بهم أو يحتكمون الى العقل قبل اتخاذ قرار أو يخططون لما يريدون الوصولاليه، وإنما هم يتبعون الجماعة في ما تقوم به عملا بمبدأ " يد الله مع الجماعة".

هنالك من أطلق على سلوك هذه الفئة من الناس "بسلوك القطيع" أو " سياسة القطيع" ولعل هذا المصطلح اشتق أصلا من سلوك القطيع عند الحيوانات حيث أن سلوك الحيوان الفطري تكون بانضوائه تحت لواء جماعة تقلل عنه نسبة وقوعه في خطر الحيوانات المفترسة الأخرى وهو بذلك يحمي نفسه من الخطر بانضوائه للجماعة التي تظهرهم بمظهر الوحدة والتجمع والألفة وتوحي للآخرين بأنهم جماعة كبيرة غير قابلة للاختراق.

حال البشر مثل حال الحيوان هم أيضا ينضوون تحت لواء جماعة كبيرة هي القطيع لذا أستعار علماء الاجتماع هذا المصطلح لإطلاقه على تلك الفئة من الناس التي تقوم بتكوين جماعة أو تجمع يجتمعون تحت لوائه بقيادة قائد القطيع الذي يحاول في كثير من الأحيان تسييس القطيع بسياسته هو ومن يصطفيهم من أتباعه على أن تبقى باقي الجماعة مطيعة له مؤتمرة بأمره ومنتهية بنهيه ومن يحاول أن يشذ عن سياسة هذا القطيع يكون مصيره الإقصاء عن الجماعة.

ذكرني هذا التشبيه بين الحيوان والبشر في سياسة التبعية بقصة كنت قد مررتبها دون أن أعي فكرتها في ذلك الوقت، تقول تلك القصة أن راعيا كان لديه قطيع كبير من الخرفان تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه إلا أن خروفا صغيرا في ذلك القطيع كان يخرج عن القطيع أثناء سيره حالما بأن يسرح ويمرح في المراعي الخضر لا أن يكون مصيره مثل باقي إخوانه على مائدة أحد من البشر، وهو الأمر الذياعتبره باقي القطيع والراعي أنه خروج عن الجماعة وخروج عن قانون القطيع،

سياسة التبعية هذه سواء مع الحيوان أم الإنسان ليست دائما على خطأ وأيضاهي ليست كلية على صواب فلكلا الحالتين مميزات يمكن أن يجنيها التابعين وتابعي التابعين فهي توفر بعض الأمان وتعطي انطباعا بالوحدة مع الجماعة وقد يجني التابع بعض المكاسب من جراء تبعيته تلك ومن محاسنها أيضا أنها تغني عن التفكير والتخطيط والتنظيم، ولكنها في ذات الوقت لها بعض السيئات التي قدتصيب من يتبعها منها الانقياد بدون وعي أو تفكير لرأي الجماعة بدون إعمال رأي أو عقل ومن مساوئها أيضا أن متبعها قد يعرض نفسه لبعض الخطر إن تعلقالأمر بقيام الجماعة بأمر خارج عن سلطة المجتمع.

 

 

ملامح التابعين وتابعيهم نلمسها في حياتنا كل يوم، فنجد أن كثيرا من الناس يعتنقون أفكار آخرين ويتبنونها بدون أن يكون لهم رأي أو فكر فيما يعتقده ذلك الآخر فهم يرددون ما يقوله ويتحركون وفق هواه مقتنعين أنهم على صواب، كذلك نلمس مثل هذه التبعية عندما تقوم فئة أو جماعة من الناس بالتظاهر والاحتجاجعلى أمر ما فجماعة التابعين وتابعيهم لا يدرون لماذا هم يتظاهرون ويحتجون ولا ماذا يريدون ولا من يطالبون وإنما هم يقومون بذلك الأمر تقليدا وتنفيذا لسياسة القطيع وقائد القطيع الذي قد يكون لديه مآرب وغايات أخرى يريد الوصول إليهامن خلال حشد أكثر عدد من الأتباع له ولسياسته.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع