التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل انت صحفي ؟

التقيت في إحدى زياراتي لبعض الصحف بصحفي اختار البحث عن المتاعب أو البحث عن الحقيقة مهنة له. أخبرني هذا الصحفي بأن حقيبة ملابسه دائما جاهزة، يحملها معه أينما ذهب، يضعها أمام باب الجريدة التي يعمل بها توقعا لأي اتصال طارىء يأتيه للطيران لأي مكان في العالم، يذهب مباشرة الى المطار يقطع تذكرة السفر ويؤدي مهنته بكل حب وشغف ورغبة في ايصال الحقيقة والخبر للعالم أجمع.
عقب كلام هذا الصحفي، تقافزت الى ذهني الكثير من الصور الجميلة عن هذه المهنة، صور درسنا بعضا منها في مقاعد الدراسة عن اخلاقيات المهنة والتضحية في سبيل الحصول على المعلومة والخبر، وبعض النماذج التي يجب على الصحفي أن يحذو حذوها ويعتبرها مثله الأعلى في مهنته المقبلة، وصور أخرى عن بعض جوائز التكريم العالمية التي تمنح للصحفيين المتفانين في خدمة الانسانية والذين لا يهابون الخوف أو الموت في إعلام القارىء بالحقيقة، وصور أخرى لمن مات في تغطية لبعض مناطق الحروب والكوارث وتم تكريمه على مستوى أمته وأصبح فخرا لها يشار له بأنه مات من أجل أن يعرف الناس الحقائق.
عقب كل تلك الصور الوردية الزاهية، عقدت مقارنة بين وضع الصحفي والصحافة في بلادنا وبين نفس هذا الصحفي وتلك الصحافة في بلاد أخرى من العالم، فسألت نفسي هل أنا فعلا صحفي؟
هل يا ترى ما نقوم به نحن معشر من أطلقنا على أنفسنا أو أطلق علينا لقب «صحفي» هي صحافة حقيقية تبحث عن الخبر وتبحث عن الحقيقة؟ هل نحن صحفيون أم نحن نعمل بوظيفة الصحافة التي هي عبارة عن مكتب أمامه شاشة حاسب آلي يدخلك الى كثير من المواقع والعوالم الافتراضية والمنتديات وإعلام الكتروني ووكالات أنباء تختار منها ما يتناسب وسياسة صحيفتك لتقوم بقصه ولصقه في مكان آخر وفي نهاية اليوم تكتب بأنك أنت من قام بهذا العمل ويسطر اسمك في ورقة الجريدة بأنك من قام بفعل القص واللصق.
قد لا ألوم نفسي ولا ألوم بعضا من زملائي الصحفيين المحترمين على سلوكهم هذا النهج واختيارهم الدعة والسكون بدلا من المشاكسة والبحث عن الحقائق، لأنه والى اليوم لا ينظر لهذه المهنة ولا لمن يمتهنها بأنه صاحب رسالة يجب عليه تأديتها على أكمل وجه، وأن الابواب يجب أن لا توصد في وجهه إن جاء باحثا عن خبر أو معلومة قد تسهم في تغيير سياسات الدولة أو المؤسسة أو تسهم في تغيير بعض الممارسات والقيم في المجتمع.
قد نلوم أنفسنا على وضعنا الصحفي لاننا نحن من ارتضينا لأنفسنا بأن ننتظر المعلومة كي تأتي الى مكاتبنا وعلى شاشاتنا ولا نسعى نحن اليها، ننتظر من الاخرين أن يمنوا علينا بخبر او مقال لننشره حتى نكمل عدد صفحاتنا، في حين لا نسعى نحن الى الكتابة عما يؤرق المجتمع والناس، نمارس بأنفسنا على أنفسنا رقابة ذاتية داخلية زرعناها في قلوبنا منذ سنوات عديدة لا صحة لها ولا خوف منها، هي مجرد أوهام وجدران شيدناها ونسجناها من الخيال خوفا من فلان أو علان أو مسؤول قد ترضيه هذه الكلمة أو لا يعجبه ذلك التصريح.
كتب أحد الصحفيين ” شيوع ثقافة الصمت والسكوت هي أفضل طرق السلامة والأمان، فكلما كنت ساكنا لا تتدخل فيما لا يعنيك ستنظر اليك المؤسسة بأمان أكثر” أعتقد أن هذا القول يلخص كثيرا الحال الذي يعايشه بعض منا



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع