التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وكانت سنة مرهقة




      لم يكن العام المنصرم عاما كالأعوام كالتي مرت قبله، أرهقني كثيرا هذا العام، عشت وعايشت فيه أقسى اللحظات وأحلاها، كبرت خلاله كما لم أكبر في غيره من السنين، تعلمت فيه الكثير مما لم أتعلمه في غيره من السنين، وهرمت – كما قال ذلك التونسي الفرح بثورته- كما لم أهرم في غيره من السنين.


كانت سنة مرهقة بالنسبة لي - وكما أعتقد هي أيضا بالنسبة الى الكثير من البشر- ربما هي تشبه العام الذي تحدث عنه القرآن الكريم في قصة سيدنا يوسف عليه السلام بأنه "عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون".


نعم اغيث الناس في عامنا المنصرم وخرجوا الى الشوارع والميادين والازقة بحثا عن أشياء كثيرة وخرجت أنا معهم أبحث عن أشيائي، وجد بعضهم ضالته وحقق بغيته ووجدت معهم بعضا من ضالتي. فرح الناس بتحقيق ما خرجوا من أجله ولكنها كانت فرحة مرهقة لم تكتمل بعد، هي بانتظار سنة أو سنوات غيرها من الاستقرار والرخاء والسلم والامن.


تزلزلت عروش، وهددت عروش غيرها، تبدلت حياة، وجاءت حياة غيرها، وما ننتظره قد لا يكون افضل مما فات وقد يكون الافضل والعلم عند الله. من جلس على كرسي من سبقه لم يكن بافضل حال كما كان يحلم الكثير من الناس، لم يستطع اقناع المرهقين بأنه سيعوضهم عما أهرقهم وسيجلب لهم الراحة، بل قد تكون وثارة الكرسي هي ما أنست صاحبها الناس المتعبة من الشارع، المتعبة من متابعة ونشر ونقل ما حدث ويحدث في ثورتهم، المتعبة من السنة التي غيرت مجرى حياتهم وكانوا يعتقدون بأنها ستكون سنة تغيير لا سنة بداية التغيير الذي قد يستمر طويلا حتى يستقر.


كانت سنة مرهقة، فقدت فيها أقرب الناس إليً وأنا الذي لم أفقد عزيزا علي منذ خلفت، صدمتني هذه السنة بقوة القدر على اختطاف البشر، كم من ارواح طوتهم حوادث السير في صفحتها، وكم من مرض عضال لم يمهل القدر صاحبه للبحث عن ترياق للحياة. انها سنة أكلت الاخضر واليابس اُغيث فيها الناس ودفنوا فيها موتاهم المتعددة أسباب وفاتهم من حادث سير أو مرض عضال أو مظاهرة أو ثورة أو غيرها من الاسباب.


كانت تمر علينا السنوات ولا نشعر بوجود تغيير سنة تأتي وسنة تنصرم، الا تلك السنة المنصرمة التي أخشى ما أخشاه بأنها تكون بداية لسنوات مرهقة بعد أن مرت علينا سنوات الرخاء وقد تصدق فيها الاية الكريمة في تفسير حلم عزيز مصر " تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون . صدق الله العظيم.








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع