التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حياتنا .. بين الخاص والعام



لنقترب من عنوان هذا المقال أكثر دعوني أسرد لكم تجربة شخصية قد يكون الكثير منكم يشاركونني إياها.


أنا موظف يعيش على راتب وظيفته، يقسمه على أشياء عديدة منها أقساط تدفع رسوم لدراسة الأبناء في مدارسهم وأقساط أخرى تدفع لتسديد فواتير العلاج في المستشفيات والعيادات الخاصة وما يتبقى من هذا الراتب يذهب الى مصاريف الحياة المختلفة.


يبقى السؤال لماذا انقلبت حياتنا من العام إلى الخاص؟ في حين أننا كنا وقبل فترات ليست بالبعيدة نفضل العام على الخاص. نفضل ما تقدمه لنا الحكومة من خدمات ونعتبره بأنه ذو جودة عالية ولا نقارنه بالخاص. لماذا انقلب الأمر كما يقول المثل رأسا على عقب وبات الفرد منا يركض وراء الخاص تحاشيا من الوقوع في العام؟ هل لأن جودة خدمات القطاع العام باتت أقل من جودة الخاص؟ أم أن كثرة أعداد الناس والسكان شكلا ضغطا على مؤسسات القطاع العام؟ أم أن من يقود القطاع العام الآن لا يملك المؤهل والخبرة الكافية لإدارته؟


هذه عينة بسيطة فقط من الأسئلة المطروحة في محاولة لتشخيص الحال الذي وصلنا إليه قد لا يكون هنا في السلطنة وحدها ولكن لربما أنه صار داء عاما طال كل دول العالم فيما بات يطلق عليه "العولمة" وتحكم القطاع الخاص في حياة الفرد أكثر من القطاع العام.


قرأت قبل فترة تقرير صادر عن مركز معلومات عربي لخص فيه هذه الحالة وعزاها إلى تراجع الحكومات عن القيام ببعض أدوارها في المجتمع وترك ذلك الدور للقطاع الخاص الذي قد يكون في كثير من الأحيان لا يمتلك الخبرة الكافية لإدارة مثل تلك القطاعات لا سيما القطاعات المهمة في بناء أي مجتمع مثل التعليم والصحة.


هنا في سلطنة عمان، لماذا بتنا نسمع كثيرا من أن مواطنا بسيطا بات ينشد العلاج في خارج الوطن ويقترض المبالغ الطائلة حتى يحصل على علاج جيد؟ أو لماذا هذا المواطن بات يلجأ إلى العيادات والمراكز الصحية والمستشفيات الخاصة لتشخيص مرضه؟ وأيضا لماذا هذا المواطن يتكلف تعليم أبنائه منذ نعومة أظافرهم في مدارس خاصة تبدأ من الروضة والابتدائي وصولا إلى التعليم الجامعي وما بعده؟ هل لأن الدولة باتت عاجزة عن تحسين جودة خدماتها؟ أم أنها وكما أشار التقرير السابق بأنها سلمت هذه الخدمات إلى القطاع الخاص ليقوم عنها بهذه المهام؟ أم لأنها وكما يعتقد الكثير منا بأن مؤسسات الدولة باتت تفتقر إلى الجودة في خدماتها حالها حال الوظيفة الحكومية التي بات الكثير منا اليوم يهرب منها إلى وظيفة في القطاع الخاص توفر له فرص حياة أفضل مما توفره سابقتها.


بعد كل هذه الأسئلة هل يا ترى نحن بحاجة في هذه المرحلة إلى مراجعة جودة الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين وتقييم هذه الخدمات ومدى رضى الناس عنها وما هي الطرق الكفيلة بإرجاع القطاع العام كما كان عليه قبل أن تزحف عليه تيارات القطاع الخاص.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع