التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لما نستشهد


عقل الطفل وعاء لما يسكب فيه، وكما قال المثل مع بعض التحريف " الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر"، وعقل الطفل الصغير يحفظ وبشدة كل ما يستمع إليه أو يشاهده سواء أكان ذلك الشيء بالإيجاب أم بالسلب.


نحن كمربين نغفل أو نتغافل، نجهل أو نتجاهل عن سابق عمد وإصرار عن عقليات صغارنا في البيت أو المدرسة بحجة أن طفل اليوم لن تستطيع مراقبته أو السيطرة عليه أو التحكم في أهوائه وأمزجته وبالتالي يترك له الحبل على الغارب يتعرض لكل ما تعرضه وسائل الاتصال الحديثة من غثها وسمينها من عبثها ولعبها من مفيدها وضارها ، وفي النهاية يقع اللوم على الطفل نفسه في أنه لم يراقب نفسه.


ما قصدته هنا هو ما استوقفني من كلمات الأنشودة التي عنونت عمودي هذا باسمها، وبالطبع لست بحاجة إلى إكمال شطرها لان الجميع يعرف تكملتها فالكل قد حفظها عن ظهر الغيب.


من يدقق في كلمات الأنشودة يجد أنها تحمل عبارات قد لا تكون مقبولة لكي توجه لفئة الأطفال، فكلماتها – ومن وجهة نظر شخصية بحته- تحمل الكثير من معاني الاستشهاد والجهاد والفداء وإزهاق النفس فداء للوطن وفي ذات الوقت تحمل معنى كبيرا هو أن طفولتنا بدون فلسطين لا معنى لها. إلى آخر ما تذهب إليه هذه الكلمات الكبيرة في معناها والموجهة إلى الصغار في محتواها.


قد لا نختلف نحن العرب مجتمعين على محبتنا لفلسطين وعدائنا لإسرائيل المغتصبة للحقوق العربية، ونقر إقرار شرعيا بأن ما تقوم به السلطات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني هو انتهاك صارخ للإنسانية ولحقوق الإنسان وللشرعية الدولية، ولكن يبقى أن توجيه رسائل المحبة والسلام والأمن والاطمئنان يجب أن يطغى على رسائل الجهاد والاستشهاد وتفجير النفس وإزهاق الروح لا سيما إذا تعلق الأمر برسالة موجهة إلى طفل صغير يردد لسانه ما يسمع ويحفظ قلبه ما يراه من صور، وينشأ ويتربى على حب الجهاد والاستشهاد والموت وتفجير نفسه وإزهاق روحه في سبيل معتقدات أملاها الكبار عليه.


قد يختلف الكثيرون معي في هذه النقطة وهي أنه لا بد من غرس قيم الاستشهاد والجهاد وحب الوطن والذود عن مقدساته في نفوس أطفالنا منذ نعومة أظفارهم وأفضل وسيلة لتحقيق هذه الغاية هي الأناشيد الموجهة للأطفال. ولكن يبقى أن زراعة وردة في قلب طفل خير من زراعة بندقية فيه.


أتوجه لأولياء الأمور من أمثالي بأن يحاولوا ولو بقليل من الجهد توجيه أطفالهم نحو الوردة المزهرة وإبعادهم عن مرمى البندقية لأنه في يوم من الأيام ربما تصيب تلك البندقية ذلك الطفل البريء.

تعليقات

‏قال فريال
أتفق معك.
النشيدة تحمل ماهو أبعد من مجرد انشود يلعب بها الأطفال. وقد أضيف على ما ذكرته من نقاط التاثير النفسي لمثل هذه الأناشيد التي تحمل في طياتها جوا كئيبا مظلما يصيب بالإكتئاب والغم والتي اعتقد ان لا تتناسب مع ما يتوجب على الطفل البرئ تعلمة وتلقية إلى ان يصل لمرحلة تمكنة من فهم ما يسمع..
‏قال abdullah al shueili
أتفق تماما مع ما ذهبتي اليه في أن عقل الطفل يتأثر بما يملى عليه.
أتمنى أن يكون لكل منا دور في الحد من ذلك.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع