التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حرب التطبيقات الذكية

 

الحروب البشرية في الألفية القادمة لن تكون حروبًا خشنة للسيطرة على موارد ومقدرات الدول الفقيرة بل إن شكل هذه الحروب سوف يتغير بما يتناسب والعصر الذي تعيشه البشرية، وقد بدأت إرهاصات هذا التحول في نوعية الحروب في التشكل منذ هذا العام والعام الذي سبقه فالحرب التقنية بين الدول مستعرة وعلى أوجها سواء في ساحات القتال السيبراني أو في السيطرة على حسابات الأفراد أو الاستيلاء على بياناتهم والمتاجرة بخصوصياتهم.

الحرب القادمة هي أشرس وأخطر وأقذر من الحروب السابقة التي خاضتها البشرية طوال تاريخها فهي حرب ليست فيها قيم أو معايير ولا تحكمها الأخلاق ولا القيم ولا يعرف فيها العدو من الصديق ولا تعرف فيها الجبهة والثغرة التي يتسلل منها العدو والأدهى من هذا كله أن جواسيس الحرب الإلكترونية وأسلحتها قد يكونون من داخل الدولة ذاتها فيكون التدمير الذاتي للدول من داخلها وبأيدي أبنائها وفي أحيان كثيرة من دون الشعور بالتدمير؟
أوجه هذه الحرب وأسلحتها متعددة ولعل أبرزها وأشهرها وأوضحها حتى الآن هي الحرب الاقتصادية، أو كما يمكن تسميتها حتى اللحظة بحرب التطبيقات الذكية التي يتضح من اسمها بأنها حرب قائمة على تطبيقات إلكترونية يقوم أفراد ومؤسسات وجماعات ودول بإنشائها ودعوة الجمهور العالمي للتسجيل فيها، وقد تأخذ أشكالا وألوانا متعددة، فمرة تكون تطبيقات إخبارية، ومرة أخرى تطبيقات للترفيه والتسلية، وغيرها تطبيقات للتواصل المجتمعي، وفي أحيان كثيرة تكون هذه التطبيقات للبيع والشراء والتجارة وجلها حتى هذه اللحظة مجانية توفر الاستضافة والرفع والتخزين والمتابعة بشكل مجاني مقابل تسجيل بياتات المستخدم والولوج إلى حياته الخاصة.
شرارة هذه الحرب وفتيلها بدأ في الاشتعال التدريجي لا سيما في الجوانب الاقتصادية، فبعض الدول قامت بحجب ومنع تطبيقات تخص دولة أخرى بدواعي المنافسة التجارية أو بدواع أمنية كما هو حاصل بين الولايات المتحدة والصين، والهند والصين، مع دخول بعض الدول الأوروبية على ذات الخط وبعض شركات التقنية العملاقة بقيامها بحجب ومنع بعض التطبيقات التي تخص الدولة الأخرى بذات الحجج، ولن أتطرق إلى تفاصيل هذه الحرب فقد باتت معروفة للجميع وإن كان ظاهرها هو حماية الخصوصية للأفراد أو الأمن القومي وغيرها من الحجج، لكن باطنها يحمل كثير من العقاب الاقتصادي والتجاري بين الدول.
قذارة هذه الحرب وجشعها وصلا إلى حد القضاء على كل الخصوم دفعة واحدة من دون تمييز بين عدو، وصديق وهذا ما نراه مثالا ماثلا للعيان في حالة “أمازون” و”علي بابا” و”إي باي” و”اولكس” وغيرها من تطبيقات البيع والشراء الإلكترونية المجانية والتي قضت على التجارة الصغيرة وتجارة التجزئة في كل الدول تقريبا – وهذا ما شهدناه خلال أزمة كورونا حيث تضاعفت أرباح التطبيقات الذكية وأغلقت محلات التجزئة – فلم يعد بمقدور التاجر والمستثمر والمستورد ورائد الأعمال الاستمرار في عملهم وبات الإقفال والإفلاس شبحا يطاردهم في كل لحظة بسبب جشع التطبيق الأكبر من دون وجود لتشريعات وقوانين تحمي التاجر المحلي من جشع التطبيق العملاق.
هذه النقطة تحديدا يصمت أمامها الجميع ويغضون طرفهم ويدعون عدم كفاية القوانين والتشريعات التي تحمي التاجر والمستثمر المحلي فتصير السماوات مفتوحة والفضاءات مشرعة أمام كل من أراد أن يمارس حربه التجارية بقصد أو بدون قصد ضد أي أمة أو أي شعب ولا يدري هؤلاء بأن إبقاء الأبواب مشرعة والسماوات المفتوحة سوف يبدأ بالتاجر الصغير لينتهي بالدولة الكبيرة.
لا تكفي هذه المساحة الصغيرة للكتابة عن هذه الحرب الأخطبوطية الكبيرة لذا فسوف أدخر بعضا من المعلومات للحديث عن الحرب الناعمة التي تشنها التطبيقات الذكية للقضاء والإجهاز على منافسيها وخصومها من الشركات والمؤسسات وحتى الدول.. في مقالي القادم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع