التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شهادة أم خبرة


  Image result for ‫الشهادة ام الخبرة‬‎

ندمت على سنوات عمري التي قضيتها في الدراسة، أكثر من عقدين من الزمان وأنا أرهق نفسي في المذاكرة والتحضير والحفظ والفهم منكبا ما بين كتاب للغة وآخر للرياضيات وغيره للكيمياء والفيزياء. علوم يرفض عقلي الترحيب بها وعلوم أخرى يكره حتى سماع اسمها ولكن كان لا مناص من دراستها لتأتي النتيجة في النهاية دائرة حمراء تزين الشهادة الورقية ويأتي بعدها تأنيب وضرب على الإهمال وقضاء الوقت في اللعب والمرح.
لو أنني ولدت في عصر البرمجة والذكاء الاصطناعي لما احتجت إلى دفتر وكراسة ولاكتفيت بشراء هاتف آيفون أكس أو كمبيوتر أبل ماك بوك برو ولأمضيت العقدين من الزمان منكبا عليهما لأنني في النهاية سوف أضمن الحصول على الوظيفة التي تدر علي دخلا أكبر بعشر مرات من وظيفة طبيب أو مهندس سهر ليله وقضى نهاره منكبا على كتب تعلمه علوما أجزم أنه لم يستفد من نصفها وإنما كانت لإكمال ساعات أو لسد وقت فراغ أو لأنها مناهج لم يقم أحد بمراجعتها منذ قرون من الزمان فصارت فرضا لازما على الطالب دراستها.
الوظيفة المحتملة في أبل وأخواتها من شركات التقنية مثل جوجل وفيسبوك وغيرها من الشركات المتربعة اليوم على عرش الصناعة الرقمية والتجارة الإلكترونية لا تطلب شهادة علمية سواء كانت جامعية، ثانوية أو حتى ابتدائية فهي لا تعترف بذلك النوع من الشهادات مطلقا فكل ما يحتاجه الشخص للحصول على وظيفة في تلك الشركات هو الإلمام بمسؤوليات الوظيفة والإبداع فيها والتفوق على الآخرين في لغات البرمجة والذكاء الاصطناعي وغيرها من تطبيقات المعرفة الحاسوبية فالدرجة المالية في تلك الشركات لا تقاس بالشهادة العلمية وإنما بما يقدمه الموظف من اختراع وابتكار في عالم التقنيات والبرمجة الحديثة.
تحضيرا لهذا المقال بحثت عن عينة من الأثرياء وأصحاب الشركات الكبرى العاملة في مجال المعلوماتية لكنهم لم يكملوا تعليمهم الجامعي فوجدت على رأس هؤلاء وشيخهم وقدوتهم بيل جيتس أغنى أغنياء العالم ومؤسس شركة مايكروسوفت ويليه في الندية مؤسس موقع الفيسبوك مارك زوكربيرغ الذي هو أيضا لم يحصل على شهادته الجامعية لكنه اليوم يترأس شركة تقدر ثروتها بالمليارات، وغيرهم الكثير ممن لم ينتظروا قطار التعليم الطويل كي ينتهي فآثروا النزول منه وركوب محطة أخرى نقلتهم إلى الثراء السريع.
قد يبدو ما أقوله غير قابل للتصديق أو للتطبيق في أيامنا هذه ولكن المستقبل ينبئ أن الشهادة العلمية لن تكون معيارا أو مقياسا للحكم والحصول على الوظيفة التي ترغب وتحلم بها في عالم شركات التقنية الصغرى والكبرى وهذا هو ذات المشهد الذي حدث قبل عقود طويلة في عالم الرياضة بكافة أشكالها وألوانها فمحترفو كرة القدم على سبيل المثال لا يطلب منهم شهادة علمية تثبت مهارتهم كي يوقع معهم عقد بملايين الدولارات وتتنافس عليهم الأندية والفرق لرفع سعرهم فالوظيفة هنا لا ذكر لها ولا حتى الشهادة بقدر ما هو ذكر للفرد وسعره في سوق الملاعب.
أعرف من كل العالم أناسا لم يكملوا تعليمهم أو لم يؤمنوا به بمعنى آخر وهم اليوم رؤساء لكبرى الشركات يديرون موظفين يعملون لصالحهم ممن لديهم شهادات عالية جدا في الدكتوراه في مجالات مختلفة، وأعرف أيضا أناسا في قطاعات حكومية مختلفة لم يتحصلوا على تعليم عال أو حتى متوسط وهم اليوم ممن يشار لهم بالبنان بأنهم من التنفيذيين الناجحين في عملهم وان كان البعض ينعتهم بأنهم وصلوا إلى ما هم عليه عن طريق معرفة أو صدفة ولكنها الحقيقة التي تقول بأن الشهادة العلمية هي ليست المعيار الأوحد للنجاح.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع