التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وادي الحريم

اسمها غريب ومن غرابته تحاول ألا يقع عقلك في المنطقة المحرمة من التفكير في محاولة منك لإيجاد تفسير منطقي لتسميتها؛ حتى من زفر فيها أول أنفاسه لم يفلح في إيجاد تفسير مقنع لتسمية أجداده الأوائل لها.
وادي الحريم؛ يتندر أهلها بأنها مكان يزيد فيه عدد الحريم عن عدد الرجال بسبب حروب قد نشبت في الماضي بين القبائل القاطنة على ضفتيه ولكن قد تتبدى الحرمة هنا في أن النتائج الأليمة لتلك الحروب حتمت على أهلها تحريم الحرب على قبائلها أو قد يعزو بعض سكان الوادي سبب هذه التسمية كون أن الوادي له إحرامات وأن أحجاره البيضاء الصلدة ينبغي لها أن تبقى بعيدة عن أراضي الوادي الخصبة التي تنبت فيها فواكه الجنة التفاح والرمان.
دعوة تطلب الوفاء بها عاما كاملا؛ مضيفنا لم يعد بكثير من المفاجآت في واديه لكن جمال الاسم وقوة وقعه على القلب جعلنا نقبل ضيافته من دون تردد؛ شددنا الرحال الى تلك القرية النائمة بين أحضان جبال تطوقها من اليمين والشمال لتبقيها هائنة هادئة وادعة لا يكدر صفوها ضجيج ولا تلوث فقط هنالك الصمت والسكون اللذان يطبقان على المكان باستثناء بعض أصوات آتية من أعلى الجبل لثغاء شياه أو رغاء ناقة تبحث عن وليدها أو عواء ذئب يبحث عن فريسة له في ظلمة الليل الحالكة التي تلف المكان.
إمام وخطيب المسجد في جمعة ذلك اليوم قص علينا قصة نبينا يوسف عليه السلام بعد أن تآمر عليه إخوته وألقوه في الجب وكيف أنه عليه السلام استطاع تجاوز محنته ليصل بصبر وجلد الى خزائن مصر ويستطيع بحنكته أن ينصح أهل مصر بأن يدخروا ما زرعوه في سبع سنين، فتذكرت بساتين هذا الوادي وأشجاره الوارفة وظلاله وفواكهه التي تنبت في كل فصول العام فهذا الوادي يعتبر واحة زراعية غناء تكثر فيها زراعة المحاصيل الزراعية كالنخيل والرمان والخوخ والفراولة ونجحت زراعة التفاح في هذا الوادي لكثرة ما حباه الله من أرض خصبة وماء وفير وجو معتدل في الصيف قارس في الشتاء، وهذا ليس بالجديد في هذا الوادي الذي يقول علماء الحفريات أنهم عثروا فيه على آثار لواحات زراعية تعود الى أكثر من مائتي عام وأيضا لبقايا صناعة تعدين للنحاس تعود الى ذات الفترة التي هي امتداد لحضارة أم النار.
عقب الصلاة عزم علينا الكثير من أهل الوادي للذهاب معهم لتناول القهوة والغداء لاننا من هيئتنا بدونا غرباء عنهم، مضيفنا اعتذر للجميع بأنه سوف يقوم بواجب الضيافة لكن ما زالت أصوات تعلو من هناك وهناك كي نشرفهم بالجلوس معهم وبفنجان قهوة عمانية حتى وان كان تحت الغافة الكبيرة التي تظلل المكان بالقرب من المسجد الكبير في الوادي. سرنا صوب الوادي وتعمقنا بداخله في طريق غير مرصوف يشعرك بأنك لا تحتاج الى كثير من المدنية في هذا المكان القصي من العالم، وصلنا حيث مجموعة من شجر الغاف الملتف حول بعضه في حلق الوادي ألقينا رحالنا وصافحنا باقي المجموعة التي بدت على محياها السرور والحبور لوجودها في الوادي.
مضيفنا ترك لنا الخيار في البقاء أو الذهاب في جولة لتفقد الوادي فاخترنا أن يكون وداعنا بجولة عبر قرى ومناطق وأودية وادي الحريم، فسلكنا طريقا يصعد ويهبط بين القرى الصغيرة المتناثرة بين الجبال كل تجمع فيها لا يبعد عن الآخر سوى أميال قليلة، وقفت على ربوة عالية أنظر الى جمال قرية صغيرة لا يزيد عدد بيوتها عن العشرة تحيط بها واحات النخيل الغناء وتسمع صرير صوت الريح من عاليها فتناهى الى مسمعي صوت طفل صغير يدعو أخاه ليشاركه اللعب في الخارج، تأملت الموقف وتذكرت طفولة حالمة كانت كطفولة هؤلاء الصغار، وبيئة تماثل هذه البيئة، أخذت بضع لقطات بهاتفي الذكي وقفلت راجعا الى طريقي من حيث أتيت من وادي الحريم الى قرية الوقبة مرورا بولاية ينقل ومنها الى الحاضرة عبري ليأخذني الطريق السالك الى حيث المدنية والتحضر.


http://omandaily.om/?p=422330

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع