التخطي إلى المحتوى الرئيسي

على خطى الاسكندر



قررت اقتفاء أثر الاسكندر المقدوني الذي قدم بجيوشه وأساطيله الى جزيرة سيرابيس العمانية وأقام فيها قاعدة ليشن منها حملاته العسكرية على بلاد فارس حتى تمكن من غزوها كما تقول الروايات المتواترة منذ ما قبل التاريخ، فشددت الرحال بعد انتهاء طقوس العيد الى الجزيرة العائمة وسط بحر العرب والمسماة سيرابيس التي أصبح اسمها اليوم مصيرة.
تخطف بصرك قبل الولوج الى ميناء شنة البحري ألوان وردية زاهية تزين الارض تبدو للرائي من بعيد وكأنها حبات لؤلؤ تزين جيد غانية،  وعندما تقترب أكثر تكتشف أنها جزء من مياه البحر الممتزجة بالتربة الطينية الحمراء التي تقلب لون الماء الازرق الصافي الى اللون الاحمر وقد يكون تأثير هذا اللون الوردي ناتج عن الطحالب الحمراء التي تعيش في تلك البقعة الجميلة من الارض، وعلى امتداد هذه البحيرات تجد أكياسا من الخيش صفت بعضها فوق بعض قد ملئت ملحا أبيضا تم استخراجه واستخلاصه من تجفيف مياه البحيرات الوردية أو المائلة الى لون النفسج ويعتبر هذا الملح المستخرج من تلك البحيرات من أفضل أنواع الملح وأغلاها لذلك يطلق عليه المتاجرون به اسم الذهب الابيض.
يصطف كثير من السياح وهواة التصوير على جانبي الشارع لالتقاط صور للبحيرات الوردية واستخراج الملح وصور الحياة الفطرية التي تعيش وتتغذى على هذه البحيرات، وتعتبر هذه البحيرات في امتدادها مع الميناء البحري مكانا للجذب السياحي وهواة التصوير وللباحثين عن مكان مختلف من العالم لا يشبه كثير من الامكنة بنقاءه وصفاءه وتفرده بكثير من تفاصيل الحياة البشرية والفطرية.
وجدتني وبرفقة من معي نقفز على متن العبارة الضخمة التي ستقلنا الى الارض الاخرى منتشين برائحة البحر ونسيمه العليل ناظرين الى ذلك اللون الازرق اللامتناهي الذي يظللنا من فوقنا بسماء صافية ومن تحتنا بمحيط أزرق يحوي كل حيوات البحر وخيراته، وعن يميننا تراقصت دلافين جاءت لتحيتنا والسلام علينا وبجانبها رقد حوت ضخم غطى لون جسمه الاسود على زرقة مياه البحر، انتشى كل ركاب الباخرة طربا لرقصة الدولفين وصفروا وصفقوا له على حسن أدائه وحيوه بأحسن مما حياهم.
ألقى ربان العبارة شنة مرساته على شاطىء مصيرة مؤذنا بابتداء الرحلة لاكتشاف جزيرة الاسكندر الاكبر التي تبلغ مساحتها ستمائة وأربعين كيلو متر، حزمنا أمتعتنا وقدنا سيارتنا باتجاه الجزيرة التي بدت هادئة الا من سيارات قليلة كانت تجوب المكان، قررنا أن تكون أول تجربة لنا منذ وطئت أقدامنا هذه الجزيرة تذوق خيرات بحرها الواسع الذي تشتهر به خصوصا أن معظم سكان هذه الجزيرة يعملون في صيد السمك، نصحنا بعض ذوي الخبرة من سكان هذه الجزيرة بتذوق الترباح ( الاخطبوط) والحبار الا أن منيتنا لم تكتمل فاكتفينا بتذوق ( البياح ) المشوي على يد أمهر طهاة الجزيرة.
أخذنا حديث ودي قصير مع عامل الفندق الوافد الذي قال لنا أنه لم يفكر بترك الجزيرة منذ وفد اليها قبل ثمانية أعوام، مستدركا أنه لا يفكر في تركها ففبها كل ما ينشد من الطقس الجميل صيفاء وشتاء حيث لا ينازعه في ذلك طقس آخر في كل عمان قاطبة، وأهلها بغاية الطيبة والبساطة والتسامح وكلهم يعرفون بعضهم البعض حتى أنه لا توجد سيارات لللاجرة في الجزيرة كلها لان الجميع هنا في خدمة بعضهم بعضا.


جمال شواطىء مصيرة يأخذك حد الخيال ويأسر لبك فرمالها نقية بيضاء بياض الثلج وخلجانها ذات صخور سوداء داكنة ومياهها زرقاء فيروزية زاهية وجبالها التي تعانق البحر وتطوقه من جوانبه الاربع ذات ألوان وأشكال متعددة فهي خضراء وحمراء وصفراء ورمادية يختلف شكلها باختلاف موقعها بين البحر والسهل والوادي.
لا يكفي هذا المقال لسرد تجربة السفر الى جزيرة ربما أبالغ ان قلت بأنها جزيرة الاحلام، ولكني في المقال القادم سوف أستكمل رحلتى على خطى الاسكندر الاكبر.
http://omandaily.om/?p=388916 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع