التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التغريدة الأخيرة

   يحذر خبراء السوشيل ميديا الجدد من أن تغريدة عابرة للقارات قد تتسبب في طردك من عملك أو خضوعك لتحقيق مطول من قبل رب عملك أو من يماثله في المرتبة إن لم يرق له ما كتبته على صفحتك الشخصية في أية وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة منها والقديمة.

هذا التحذير وبهذه اللهجة من الوعيد جاءت عقب شكاوى تقدم بها أناس طردوا من عملهم أو انتهكت خصوصياتهم عن طريق اختراق حساباتهم الإلكترونية وقاموا برفع شكواهم إلى المحاكم من الظلم الواقع عليهم من قبل أربابهم، منهم من حكم القضاء ببراءته ومنهم من حكم ضده بحجة أن ما نشر يعد انتهاكا لسرية العمل وقدسيته.
آخر ما قرأت عن مسلسل الفصل كان لصحفي غرد في تويتر عن تمنيه بأن يصاب جناح طائرة ريال مدريد بعطل قبل أن يخوض مباراة مع فريق خصم كان الصحفي من مشجعيه، غير أن الإذاعة التي كان يعمل بها هذا الصحفي قررت فصله والاستغناء عن خدماته بسبب هذه التغريدة الأخيرة التي اعتبرتها مشينة بحق هذا النادي العريق وأصدرت بيانا قالت فيه: «إنها قررت فصله من عمله، لكنها مستمرة في دعم حرية التعبير وتعدد الآراء التي لا تنتهك أخلاقيات مهنة الصحافة».
أمثلة كثيرة لمن فقدوا وظائفهم أو امتيازاتهم بسبب تغريدة أو إعادة إرسال لصورة أو وسم أو اقتباس أو تضامن مع قضية أو تعليق ساخر عابر مع شخص أو قيام رفيق سوء إلكتروني بدس تغريدة له أو تحويرها فسرت بعدها على نحو خاطئ لم يقصده كاتبها في الأساس، كل ذلك يحدث كما يقول الخبراء بسبب الخلط الحاصل بين الشخصي والمهني وما يحق وما لا يحق للشخص القيام به فضلا عن غياب القوانين والأخلاقيات المنظمة والحاكمة لاستخدام وسائل التواصل الحديثة.
حتى الآن الصورة أمام مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي غير واضحة ويشوبها الكثير من الضبابية والغموض بين ما هو شخصي وما هو مهني وقد يرد هذا الأمر إلى عدم وجود جهة يناط بها تنظيم الاتصال الإلكتروني بأكمله وعلى وجه الخصوص التواصل الاجتماعي إضافة إلى عدم وجود تشريعات وقوانين وأخلاقيات تؤطر لهذه الممارسات يعرف من خلالها الفرد حقوقه وواجباته وحدوده التي يجب عليه أن يلتزم بها.
بنظرة سريعة لتطبيق مفهوم التواصل الاجتماعي وممارساته لدينا في السلطنة نرى أن الأمر لا يخرج عن ثلاثة تصنيفات أو ثلاث حالات هي مواقع إلكترونية رسمية قامت الجهات الحكومية بإنشائها وإدارتها بغية نشر أخبارها وفعالياتها وتسهيل التواصل مع الجمهور ويقوم بإدارة هذه الحسابات موظفون من داخل تلك المؤسسات لديهم الصلاحيات المحددة لهم لنشر ما تراه تلك الجهة مناسبا لها. أما النوع الثاني من هذه الحسابات فهي حسابات المسؤولين الحكوميين في الدولة أو ما يماثلهم في الشركات والمؤسسات المختلفة وهذا النوع لا يوجد له ضوابط معينة ولا يخضع لأسس وقوانين وأدلة وأخلاقيات تحدد ضوابط استخدام مواقع التواصل للمسؤولين وترك هذا الأمر للمسؤول ذاته يحدد هو ما يكتبه على صفحته فهو يغرد عن فعالية قام برعايتها وفي أخرى يقوم بإعادة إرسال ما يرسله الحساب الرسمي لوزارته وفي ثالثة يعيد إرسال رسالة شخصية لصديق له. أما ثالث هذه الأنواع فهي الحسابات الشخصية والخاصة للأفراد في المجتمع على اختلاف درجاتهم ووظائفهم والتي لا يحددها مطلقا سوى توجهات الشخص وميوله وهي لا تخضع لمعايير ولا لقيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ولا يوجد سوى مادة أو مادتين في قانوني الجزاء والمطبوعات ما يعاقب مرتكبها ومخالفها على ذلك، وهنالك نماذج من بعض الحسابات الشخصية التي اغلقها أصحابها كردة فعل على أمر ما معتبرين أنها التغريدة الأخيرة بالنسبة لهم بدلا من الزج بهم في المحاكم أو فقدان وظائفهم للابد.
طوفان وسائل التواصل الاجتماعي والتي هي في تزايد في أعدادها ومستخدميها في كل ساعة لن يستطيع أحد إيقافه مهما أوتي من قوة وقانون، فبدلا من التعامل معها ومع متعاطيها بشيء من عدم التسامح يمكن احتواء الأمر بإصدار تشريعات وقوانين ونظم وأطر يتعارف عليها المجتمع وتكون بمثابة قانون يعمل به ولا يتضرر منه أي طرف.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع