التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مشاركة الفرح


بصفة عامة، لحظات الفرح في حياتنا تقلصت الى أدنى مستوياتها، نتعرض إلى أقصى حد من الأخبار السيئة كل يوم، قتل هنا، اغتيال هناك، تهديد في تلك الدولة، وعيد في الأخرى، يرن هاتفك النقال برسائل صباحية تذكرك بالآخرة والقبر وأنت بعد لم تفتح عينك على قرص الشمس، وإن ضحكت قالوا: إن قلبك ميت أو حتما سيموت لأن الضحك يميت القلب، لذا عليك أن تقطب جبينك وتبدي الصرامة في تعاملك مع الآخر.
لحظات الفرح إن جاءت فهي شحيحة، لم يعد يفرحنا شيء فقد امتلكنا كل شيء، ما يفرحنا صار استثناء، وما يفرحنا يحتاج الى يوم آخر يختلف عن أيامنا الرتيبة المؤطرة بإطار العمل والاسرة والالتزامات وغيرها من الأطر اليومية التي أغلقت أبواب الفرح في وجوه الكثير منا.
عندما يأتي الفرح نبحث عن أقرب الناس الينا لنشاركهم هذه اللحظة الجميلة، في أحيان كثيرة لا نجد هذا الصنف من البشر ممن يهتم بفرحك، ولكننا نجد الكثير منهم يهتمون لأحزاننا، حتى ليبدو أننا امتهنا الحزن وصار سمة مميزة من سمات شخصيتنا العربية.
قليلون هم من يشاطروننا لحظة الفرحة والسعادة وهذه لا يمتلكها إلا من كان لديه رصيد كاف من الفرح ليقدر على مشاركته الآخرون.
بالأمس، هاتفني زميل بالكاد تعرفت عليه بالمراسلة الهاتفية، قلبه يرقص فرحا، لقد حصل على رخصة السياقة، بحث عن أقرب شخص يشاركه فرحه وربما لم يجد أقرب مني يزف اليه هذه البشرى، لكن خبره هذا لم يكن بالنسبة لي يعني شيئا في زحمة يومي وانشغالي، ولكن ما جعلني ألتفت اليه وأشاطره الفرح من أنه ميزني عن الآخرين لمشاركته فرحته، موقنا بأن الخبر مفرح جداً له ولي.
تمر علينا بعض لحظات الفرح ولكننا نبحث عن شخص عزيز يشاركنا إياها وقد لا نجده فنضطر الى كبت هذه الفرحة داخل ذواتنا وبين أضلعنا، مما يطفئ بريقها ولمعانها وتصبح وكأنها أمر عادي عابر يحصل كل يوم.
مقياس الفرح والسعادة يختلف معياره من شخص لآخر، فما تراه أنت بأنه خبر سعيد ومفرح قد يعتبره الآخر خبرا عاديا روتينيا يحدث كل يوم، المئات منا يرزقون كل لحظة بمولود جميل، الكثيرون يحتفلون بتخرجهم وانتقالهم من مستوى لآخر، آخرون يفرحون بالتحاقهم بوظيفة أو حصولهم على ترقية، وعدد غيره يفرح بسيارة أو جهاز جديد اقتناه، كل هذه الافراح قد لا يلتفت اليها من كان يملكها ولكنها تمثل قمة السعادة والفرح بالنسبة لمن لم يجربها بعد، لذلك فهو يبحث عمن يشاطره فرحته تلك.
كل صباح أتعرض لألف سؤال وسؤال عن الأخبار والعلوم وما الجديد؟ وعندما أرد بأن الجديد بأننا ما زلنا أحياء وأن الشمس لا تزال مشرقة وننعم بصحة وعافية وأننا نحمد الله على الفرح والسعادة يأتي الرد بأن هذا ليس بجديد فالحياة بعد لم تأت بجديد ونحن بانتظار الجديد حتى نفرح ونتقاسم الفرحة مع غيرنا، ولكن عندما يأتي الجديد يكون أوان هذه اللحظة قد زال.
منشور بجريدة عمان
http://main.omandaily.om/node/132386

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها وإنما برس

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج

إجازة

صديق من الصين الشعبية التقيته بعد انتهاء عسل الإجازة السنوية سألني عن عدد أيام الإجازة السنوية التي يستحقها الموظف العامل في المؤسسة الحكومية في السلطنة فقلت له ببساطة شديدة هي تختلف باختلاف الدرجات والمسميات لكنها في الأغلب لا تقل عن شهر كامل، جحظت عيناه الصغيرتان أصلا من صدمة ما قلت فردد من خلفي شهر كامل؟ قلت نعم وهذا لصغار الموظفين فما بالك بكبارهم! فأردفت على جوابي سؤال له عن أيام إجازاتهم الصينية السنوية فأجاب بصوت خافت لا يكاد يسمع: هي لا تزيد عن العشرة أيام، فانتقلت الدهشة منه إليَّ فقلت بشيء من الانفعال عشرة أيام فقط! هذه لا تكفي حتى للذهاب إلى فنجاء التي هي قريبة من مسقط. زاد هذا اللقاء من شغفي للبحث في الإجازات السنوية للأمم والشعوب والقبائل فوجدت العجب في ذلك، فبعض الدول لا تقر قوانينها الحصول على أيام إجازة سنوية مدفوعة الأجر وأن رغب الموظف بذلك فسيتم خصمها من رصيده المالي كما تفعل ذلك الولايات المتحدة المتقدمة في كل شيء إلا في نسبة حصول موظفيها على إجازاتهم، حيث ينظر رب العمل والموظف ذاته في تلك البلاد القاصية إلى الإجازة على أنها ترف زائد لا داعيَ له ومن يسرف في التمتع