جاءني صوت محدثي عبر الهاتف: آهلين man، اتصلت فيك ما حصلت missed call على الـ mobile ؟ فرددت: نعم وجدت اتصالك كنت منشغلا خير، أجابني: فادتك طلعنا مع الـ group إلى coffee shop في city centre فاستغربت من زحمة المفردات الانجليزية في كلامه فأجابني: لا تلمني أنا موظف في شركة oil & gas وكل تعاملها اليومي بـEnglish وأيضا تخرجت من ألـ college وكانت دراساتنا بـ English وأنا من غير وعي اخلط العربي بالانجليزي.
استوقفني هذا الموقف لأجد أن الكثيرين من أمثال محدثي هم ممن يخلطون مصطلحات أجنبية بلغة عربية بحجة وبدون حجة منهم من يقول بان اللغة العربية ما عادت تحتوي على الكثير من المصطلحات لا سيما في العلوم الحديثة وهي أي العربية غير قادرة على احتواء وإيجاد البدائل لتلك المفردات، ومنهم من يقول بان اللغة العربية ما عادت هي لغة الـ business والأعمال التجارية بل اقتصرت على كتابات الشعراء والروائيين فهي لا تمتلك المخزون الذي يتطلبه قطاع الأعمال، ومنهم من يقول لك بأنني أجد نفسي أتكلم بطلاقة أكثر بالانجليزية منها عن العربية لان العربية لغة ثقيلة والانجليزية أخف منها.
لا أقف هنا في صف اللغة العربية ولا في صف الانجليزية فكلاهما صارا لغتان لا غنى عنهما العربية هي لغة قرآننا وديننا وتعاملاتنا اليومية ولغة آبائنا واجدادنا وقد لا أملك الشجاعة لأقول بأنها لغة أبنائنا لان هنالك بعض المؤشرات تشير إلى اكتفاء اللغة العربية ببعض المصطلحات العامية في الحديث والسلام ولغة القليل من وسائل الإعلام وقد تتعرض هذه المصطلحات مع الأجيال المقبلة إلى تقليص شديد مثلما حدث مع محدثي. اللغة الانجليزية هي أيضا لغة لا غنى عنها فهي لغة العالم أجمع تدار بها الاجتماعات وتدرس بها المناهج والمقررات الدراسية وتتحرك بها الاقتصادات وتدر على متقنها الكثير من الأموال، ولكن تبقى هنالك الشعرة التي تفصل بين ما هو أصيل في جوهرنا وبين ما هو وافد علينا.
صار الكثير منا لا يفهم الكثير من المصطلحات العربية التي كانت في يوم من الأيام دليلا على عذوبة ورقة وفصاحة ورصانة اللغة العربية ولكنها صارت اليوم مثالا للتقعر وعدم الوضوح والإغراق في بحور اللغة لا يفهمها إلا الفطاحل ممن ملك ناصية اللغة، قد لا نطالب جيل اليوم بفهم غزل امرؤ القيس في معلقته ولا بصوفية الخنساء وتنسكها ولا بإقدام عنتر وبسالته ولا بمديح المتنبي لكافور ولا حتى بهجاء جرير للفرزدق ولكننا نطالب جيلنا والأجيال من بعدنا بفهم الكثير من المصطلحات التي تكتب على صفحات الجرائد والمجلات وتتداول في الفضائيات والإذاعات كلغة ثالثة تميل إلى العامية منها إلى العربية ولكن يبقى أن هذه اللغة الثالثة هي أيضا يتهددها الدخلاء والغرباء لتصبح لغة هجينة أشبه ما تكون بالمسخ الذي لا تتضح معالمه فيتبرأ منه الجميع.
رحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي عندما رثى ونعى في زمانه اللغة العربية والتي كانت في تلك الأيام لغة فصيحة وجزلة لكنه رأى بان الكثير من الأخطار صار يتهددها فما بالنا لو كان أمير الشعراء بيننا في عصرنا هذا وسمع الحوار الذي دار بيني وبين محدثي لكان قال أعظم مما قاله بان لغتنا اليوم لم تعد هي العربية بل صارت لغتنا العنجليزية. رحمك الله يا شوقي عندما قلت على لسان العربية أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي.
ـــــــــــ
تعليقات